تعالى أخبر أنه آتاه آياته من اسمه الأعظم، والدعوات المستجابة والعلم والحكمة، فاستوجب بالسكون إلى الدنيا واتباع الهوى تغيير النعمة عليه، والانسلاخ عنها. ومن الذي يسلم من هاتين الحالتين إلا من عصمه الله تعالى! نسأل الله التوفيق والهداية بمنه وكرمه. وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال «١» : «الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه» . وفي رواية:«كمثل الكلب يقيء ثم يعود في قيئه فيأكله» .
قال عمر رضي الله تعالى عنه: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه وظننت أن يبيعه برخص فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«لا تشتره ولو باعكه بدرهم، ولا تعد في صدقتك فإن العائد في صدقته، كالعائد في قيئه» . وقال الجاحظ: لكل جيفة كلب، ولكل قدر طالب، ولكل نحو راغب، ولكل وسخ حامل، ولكل صم جارع، ولكل طعام آكل، ولكل ساقط لاقط، ولكل ثوب لابس، ولكل فرج ناكح انتهى.
وقالت العرب:«آلف «٢» من كلب» و «أبصر «٣» وأبخل «٤» وأطوع «٥» وأفحش «٦» وألأم «٧» وأبول «٨» » فيجوز أن يراد به البول نفسه ويجوز أن يراد به كثرة الجراء، فإن البول في كلام العرب يكنى به عن الولد. وبذلك عبر ابن سيرين رحمه الله تعالى عليه، رؤيا عبد الملك بن مروان لما رأى أنه بال في محراب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات، فكتب إليه: إن صدقت رؤياك، فسيقوم من أولادك أربعة في المحراب، ويتقلدون الخلافة بعدك فوليها أربعة خلفاء من صلبه: الوليد وسليمان وهشام ويزيد.
وقالوا:«سمن كلبك يأكلك»«٩» ، وهو قريب من قولهم:«اتق إساءة من أحسنت إليه» ، وقالوا:«جوع «١٠» كلبك يتبعك» ، يضرب في معاشرة اللئام، وقالوا:«الكلاب على البقر»«١١» ، برفعها ونصبها، فالنصب على إضمار فعل تقديره خل كلاب الصيد، أودع الكلاب على بقر الوحش لتصطادها، والرفع على الابتداء، وما بعده خبره. ومعنى المثل:«إذا أمكنتك الفرصة فاغتنمها» . ويقال: معناه خل بين الناس خيرهم وشريرهم، واغتنم أنت طريق السلامة. وقد سئلت عن قول «١٢» الأخطل:
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمّهم بولي على النار
فتمسك البول بخلا أو تجود به ... وما تبول لهم إلا بمقدار