للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واظب على الدروس .. ثم أسند إليه تدريس بعض الحلقات مع أخذه بطلب العلم، وكان أحد مدرسي معهد جمعية الفتح عند ما أنشئ، وشغل فيه منصب نائب الرئيس مدة.

تولى إمامة جامع العمرية، وخطابة جامع المناخلية، ثم خطابة جامع السباهية، وإلى جانب ذلك درّس الفقه الحنفي في جامع لالا باشا سنوات عديدة. وكان له درس متنقل في البيوت ليلة الاثنين خصصه لتجار سوق الحميدية وسوق الحرير ..

شغل عضوية مجلس إدارة جمعية المساعدة الخيرية بمحلة العمارة.

وانتخب عضوا في الاتحاد القومي أيام الوحدة السورية المصرية، كما كان عضوا في المجالس المحلية ..

كان شهما، مؤثرا على نفسه، يستدين ليعطي، وحاز ثقة الناس، والتجار منهم خاصة.

توفي يوم الاثنين ٦ رجب (١).

رمضان عمر البوطي (١٣٠٦ - ١٤١٠ هـ- ١٨٨٨ - ١٩٩٠ م)

العالم الربّاني، الزاهد، الورع. من أبرز علماء بلاد الشام في هذا العصر.

الملا رمضان البوطي قبل وفاته بثلاثة أيام

ولد لأبوين كرديين في قرية «جيلكا» التابعة لجزيرة بوطان، التي يطلق عليها بالعربية اسم جزيرة ابن عمر، وهي

داخلة في حدود تركيا.

وتلقى العلم في الكتاتيب، وعلى طريقة الأكراد في التعلّم، ومضى في القراءة على الشيوخ، ومن مشايخه الشيخ محمد سعيد سيدا، وسيد محمد الفنذكي، والملا عبد السلام.

كان ينفق كثيرا من وقته في تلاوة القرآن وحفظ الأذكار والأوراد ونوافل العبادات وقيام الليل، بالإضافة إلى واجباته الأخرى.

وقد ذكر أنه لم يكن مثل أقرانه في التفرغ لحفظ المتون والمناقشات العلمية والجدل في الفروع، لكنه عند ما امتحن أجاب بشكل كاف، وكان مثار إعجاب شيخه الذي أبدى دهشته وقال: إنك لم تكن عالما، ولكن الله قال لك كن عالما، فكنت!

وكان يذكر ذلك لابنه، ليضعه أمام معنى قوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [سورة البقرة: الآية ٢٨٢].

ورحل في طلب العلم، وعند ما قامت الحرب العالمية الأولى كان قد عاد من رحلته، واستقرّ به المقام في مسقط رأسه، إماما في المسجد، ومدرّسا لطلاب العلوم الشرعية في المدرسة التابعة له .. ثم شارك في الحرب .. دفاعا عن الخلافة الإسلامية .. ولكنه لم يكن راضيا عن سلوك الضباط، المنهمكين في المعاصي، وربما الفواحش ..

ثم حج إلى بيت الله الحرام ..

وكانت بعدها الرحلة إلى بلاد الشام، حيث استقرّ في مدينة دمشق .. وقد أمضى جلّ حياته يكدح من أجل الرزق، وهو العالم والمعلم الفقيه.

وأشربت روحه حقيقة التصوف وأسراره، وهو الذي عاش يحارب البدع ويمقتها في السر والجهر.

وأمضى الشطر الأول من حياته معتزلا المجتمع، ثم دخل وعارك المجتمع من أوسع أبوابه، ثم عاد فاعتزل ولازم عقر داره حتى وافاه الأجل صباح يوم الثلاثاء ٢٠ شوال، الموافق ١٥ أيار (مايو) .. واخترقت جنازته شوارع دمشق، ليدفن في مثواه الأخير في باب الصغير .. وكان قد أوصى بأن يكتب على نعشه:

أتيتك بالفقر يا ذا الغنى ... وأنت الذي لم تزل محسنا

قلت: وقد عرف هذا الشيخ الجليل بعباداته الكثيرة وزهده وورعه، وقد رأيته وهو يؤمّنا في صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة في مسجده الذي كانيخطب فيه ابنه، وكنت أثناءها طالبا في كلية الشريعة بجامعة دمشق، وكنا ننظر إليه على أنه من أولياء الله سبحانه وتعالى لما يذكر عنه من تعبّده وتبتّله وورعه وعلمه الجم وتقواه.

وكنت أسمع من بعض المقرّبين أن ابنه (الدكتور محمد سعيد) لم يكن ينشر أيا من كتبه إلا بعد عرضه على أبيه، فيمدّه بآرائه وتوجيهاته ..

ثم بدت منه- بعد وفاته رحمه الله- بعض ما لا يرضى منه، وقد يكون فيه من باب «زلة عالم زلّة أمة»، ثبّتنا الله وإياه على الحق.

وقد ألف كتابا عن والده، وهو الذي اقتطفنا منه بعض الفقرات، وهو بعنوان:

«هذا والدي: القصة الكاملة لحياة الشيخ ملّا رمضان البوطي من ولادته إلى وفاته.- دمشق: دار الفكر، ١٤١٥ هـ، ٢٠٠ ص. وصدرت منه ثلاث طبعات في سنة واحدة، وأظن أنه ترجم إلى لغات أجنبية.

- وللمترجم له كتاب فيه نصائح ووصايا طبعت في كتاب، وذكر ابنه أنها قد تطبع من جديد طباعة متميزة، حديثة.

كما ذكر في آخر كتاب «هذا والدي» نماذج من تحقيقاته ووصاياه الدينية (٢).


(١) تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري ٣/ ٥٦٦.
(٢) وله ترجمة في تاريخ علماء دمشق ٣/ ٥٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>