شمال العراق إلى مدينة أنطاكية، ثم إلى مدينة حلب، حيث استقرّ في منزل متواضع قرب الجامع الكبير، وصار يدرّس في مدرسة الأحمدية.
وأكمل ابنه محمد أبو الخير تحصيله العلمي على يد والده في أنطاكية ولمّا يبلغ الخامسة والعشرين من عمره.
وكان يدرّس في المدرسة الخسروية، التي سميت فيما بعد بالكلية الشرعية، ثم تحولت إلى الثانوية الشرعية، يدرّس مادة العقيدة والتفسير، ويلقي خطب الجمعة في جامع الشعبانية، وتستغرق خطبته ساعة كاملة، ينقل فيها المستمعين إلى عالم غريب من الروحانية والصفاء، وضاق الجامع بروّاده، فنقل الشيخ إلى جامع السبيل لتتجه إليه الجموع من جديد، فخصص درسا في التفسير قبل صلاة الجمعة لمدة نصف ساعة، وبعد الخطبة أيضا يجلس نصف ساعة مع الناس وطلبة العلم.
وكان مهموما بمشكلات الأمة الإسلامية، وفي ثنايا دروسه في الفصل كان يتعرّض لأحوال المسلمين، وغفلتهم، وجهلهم بالمصير الذي يساقون إليه ..
وعند ما لوحظ أثره في الناس، والإقبال عليه من كل مكان، وهداية كثير من شباب الجامعة على يديه، وعرض الأموال عليه لإنفاقها في الدعوة والجهاد .. عزل عن الخطبة والتدريس في المسجد، بل والتدريس في الثانوية الشرعية أيضا.
في عام ١٩٥٠ م جرت في سورية انتخابات برلمانية لوضع دستور دائم لسورية، فكان له دور بارز في توحيد كلمة العلماء للمطالبة بأن يكون دستور الدولة مستمدا من الشريعة الإسلامية، وبيّن لهم أن هذه هي الفرصة الأخيرة ولن يتمكنوا بعدها من عمل شيء، واجتمعت كلمة علماء حلب ودمشق وحماة وحمص. وراجعوا المسئولين في ذلك ...
وكان ذا فراسة عجيبة في الأشخاص، وربما قال لمن حوله في أحدهم: هذا الشاب طاقة يستطيع أن يقود جيشا. ويقول في غيره: هذا يستطيع أن يربي جيلا لو وفرت له الأجواء.
وكان يعيش عيشة الكفاف، ولا يقبل هدية أو صدقة من أحد. وربما سار من بيته إلى الثانوية الشرعية مقرّ تدريسه راجلا لأنه لا يملك أجرةالحافلة، فضلا عن أجرة سيارة الأجرة.
وكان أثرياء حلب يحبونه ويجلونه ويعرضون عليه المال الكثير، ولكنه يأبى ذلك، لعهد بينه وبين ربه.
وكان يتشوّق إلى أداء فريضة الحج وزيارة مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلم، ولكن ما ملك في يوم من الأيام المال الذي يمكنه من ذلك .. إلى أن تمت مفاجأة .. فحجّ بفضل الله، ثم عاد، وعاش صفاء روحيا نادرا، ثم ازدادت عليه الأمراض، وأصبح يمشي على الأرض ولكن روحه وفكره في عالم آخر!
وكان كثيرا ما يبكي على حال المسلمين، ويدعو الله اللطف بأمة محمد صلّى الله عليه وسلم.
ولم تطل به الأيام حتى توفاه الله تعالى في مدينة حلب (١).
وله تلاميذ صاروا أساتذة جامعات وعلماء .. أمثال الدكتور مصطفى مسلم، الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
[محمد خير بن عمر الحلواني]
(١٣٥٢ - ١٤٠٧ هـ- ١٩٣٣ - ١٩٨٧ م)
أديب، نحوي.
ولد في حلب وتعلم بها. حصل على الدكتوراه في الأدب من جامعة عين شمس بالقاهرة في موضوع «الاحتجاج وأصوله في النحو العربي». درّس الأدب العربي في جامعة حلب وثانوياتها، والنحو والبلاغة في جامعة اللاذقية. كتب دراسات أدبية ومقالات لغوية في دوريات عديدة، مثل: العربي، الآداب، الأديب، المعرفة، حضارة الإسلام، الجندي.
محمد خير الحلواني
من مؤلفاته:
- مسائل خلافية، تأليف أبي البقاء العكبري (تحقيق)، حلب: مكتبة الشهباء، ١٣٨٩ هـ.
- العرب وأدب اليونان، حلب:
مطبعة الأصيل، ١٣٨٩ م، ١٢٦ ص.
- المنهل من علوم العربية، (بالاشتراك) بيروت: مطابع دار لبنان ١٣٨٨ هـ، ٦٢٠ ص.
- المعين في الأدب الحديث (بالاشتراك)، ١٣٨٣ هـ.
- المنجد في الإعراب والبلاغة (بالاشتراك)، ١٣٨٢ هـ.
- سحيم عبد بني الحسحاس: شاعر الغزل والصبوة.- حلب: مكتبة الشهباء.
- الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين.
(١) علماء أكراد ص ٧٩ - ٩٥. وسنة الوفاة تقريبية.