منطقة الزيبار وبارزان، واضطرته في تشرين الأول (أكتوبر) من تلك السنة إلى الالتجاء إلى داخل الحدود الإيرانية مع أخيه الشيخ أحمد.
عاد أخوه بعد ذلك إلى العراق، أما الملا مصطفى فمضى إلى مهاباد مع ألفين من أتباعه، حيث أعلن القاضي محمد في ١٥ كانون الأول (ديسمبر) ١٩٤٥ إنشاء حكومة شعبية كردية بمساعدة السوفييت متآخية مع حكومة مهاباد تبريز. ولما قضت الحكومة الإيرانية على حكومته عام ١٩٤٦، لجأ الملا مصطفى ورجاله إلى روسيا وقضوا فيها اثني عشر عاما.
أقام الملّا في بادئ الأمر في أذربيجان وأزبكستان، ثم انتقل إلى موسكو، ودرس اللغة الروسية والفنون العسكرية وعلم الاقتصاد. وقد عاد إلى بغداد في ٦ تشرين الأول (أكتوبر) ١٩٥٨ وحظي بالتبجيل والإكرام. لكنه عاد إلى منطقته وأعلن العصيان في أيلول (سبتمبر) ١٩٦١. واستمرّ يحارب الحكومة العراقية حتى تمّ له الاتفاق معها وألقى السلاح في ١١ آذار (مارس) ١٩٧٠.
وقد قال بعد ذلك في خطاب ألقاه في مؤتمر الحزب الديمقراطي الكردستاني:
«لقد حلّ الآن دور العمل والبناء والتعمير والتصنيع، وبهذا فقط نخدم شعبنا ... إننا كلنا أخوة ولا يجوز لنا التفرقة بين أبناء الشعب ... فلنحاول أن نكون كلنا أخوة يربطنا نظام واحد وهدف واحد، وهو إسعاد الشعب العراقيّ بعربه وأكراده».
وفي ٢٩ أيلول (سبتمبر) ١٩٧١ جرت محاولة لاغتياله ونسف مقرّه في «حاج عمران»، لكنه نجا من الموت بأعجوبة.
وقد أعلنت الحكومة العراقية في ١١ آذار (مارس) ١٩٧٤ منح الحكم الذاتيّ لمنطقة كردستان، لكنّ صيغة هذا الحكم لم تحظ بقبول الملا الذي عاد إلى الثورة.
أخفقت حركته وقضت عليها الحكومة العراقية، فاستسلم أكثر أنصاره أو نزحوا إلى إيران في آذار (مارس) ١٩٧٥. وذهب هو نفسه إلى إيران في ٣٠ آذار (مارس) وأقام في طهران. وصرّح للصحفيين قبل مغادرته قاعدته بوادي شومان قائلا:
«نحن معزولون بلا أصدقاء، ولم ننل أية مساعدة أو حماية من الأميركيين. وأظنّ أن أمامنا أياما حالكة».
وقالت جريدة «التايمس» اللندنية في ٢٧ آذار (مارس) ١٩٧٥ إن الملّا قد أصبح شخصية شبه أسطورية بين الأكراد لكفاحه الطويل ومقاومته السلطات التركية والبريطانية والعراقية.
وأثبت أن في الإمكان مواصلة حرب الأنصار في جبال العراق الشمالية إلى أمد غير محدود .. ثم قالت: إن الملا مصطفى وجماعته قرروا وقف القتال.
ثم غادر إيران إلى واشنطن للعلاج سنة ١٩٧٦، وتوفّى فيها في آذار (مارس). ونقل جثمانه إلى إيران، ودفن في أحد المعاقل الجبلية في كردستان على حدود إيران الغربية المجاورة للعراق.
وقال الميجر إدغار أوبالانس المحلل العسكري الإنكليزي، صاحب المؤلفات عن حرب اليمن وحرب الهند الصينية والحرب الأهلية اليونانية وحروب كوريا والجزائر والجيش الأحمر السوفييتي إلخ، وقد زار العراق والمنطقة الكردية ثلاث مرات، قال في كتابه «الثورة الكردية ١٩٦١ - ١٩٧٠» الصادر سنة ١٩٧٣ عن البارزاني:
«وكان محافظا على التقاليد القديمة، فلم يساير الأكراد الشباب من أهل المدن الذين كانوا يريدون إصلاحات اجتماعية في المحيط الكردي. غير أنه استطاع أن يحافظ على التوازن بين رجال العشائر والشباب الناظر إلى الأمام ... ».
وأخيرا اعتبره المؤلف أحد القادة الكبار في القرن العشرين لمضاء عزيمته وكفاحه في سبيل الاستقلال الذاتي الكردي في العراق. وقد تمكن من السيطرة على محاولات الشيوعية لأخذ القيادة من يده وتوجيه الثورة الكردية وجهة أخرى لا ترتضيها أكثرية الشعب الكردي. وهكذا، فإن بقاء الملا مصطفى أحد عشر عاما في الاتحاد السوفييتي لم يدفع به إلى اعتناق المبدأ الشيوعي (١).
مصطفى مراد الدباغ (١٣١٦ - ١٤١٠ هـ- ١٨٩٨ - ١٩٨٩ م)
مؤرّخ، تربوي.
ولد في يافا، حصل دروسه الابتدائية فيها، وتابع دراسته الثانوية في المدرسة السلطانية ببيروت. وإلى جانب دراسته للغة العربية درس اللغتين التركية والفارسية. وكانت أولى مشاركاته العسكرية في حملة فخري باشا إلى الحجاز سنة ١٩١٥ م.
وفي عام ١٩٢٠ م التحق بالجيش العربي، وبعد عام ١٩٢١ م بدأ حياته التربوية والتعليمية الطويلة.
فعيّن مديرا لمدرسة المنشية الأميرية، فمديرا لثانوية الخليل، فأستاذا للاجتماعيات في دار المعلمين بالقدس .. ثم مفتشا للمعارف في يافا ثم في نابلس، ثم عاد مفتشا للمعارف في يافا (١٩٤٥ - ١٩٤٨).
وبعد أن اجتاحت النكبة الأولى
(١) أعلام الكرد ص ٤٥ - ٤٨.