للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمد محمود الصواف (١٣٣٣ - ١٤١٣ هـ- ١٩١٥ - ١٩٩٢ م)

العالم، الداعية، المجاهد الكبير.

محمد محمود الصواف

ولد في مدينة الموصل بالعراق في أول شوال، وينتسب إلى طي، من قبيله شمّر المعروفة. نشأ في بيت علم وجهاد وتجارة، وكان على رأسها رجل صالح، خطّ لابنه طريق العلم الشرعي.

وقد تتلمذ على شيخه الفاضل عبد الله النعمة، وعلى الشيخ صالح الجهادي، وعلى الشيخ أمجد الزهاوي عالم العراق الفريد.

درس بالمدرسة الفيصلية، وحصل على إجازتها العلمية عام ١٣٥٥ هـ.

والتحق بالأزهر عام ١٣٥٨ هـ. وكان من المتفوقين في كل مراحل دراساته، وأبرزها الأزهر، حيث كان لتخرجه ضجّة في أوساط العلماء والصحافة العربية، وذلك حين استطاع أن يختصر دراسته في الأزهر من ست سنوات إلى ثلاث، حيث حصل على العالمية في سنتين بدل أربع، وعلى التخصص في سنة بدل سنتين، حتى قال له شيخ جامع الأزهر في زمانه الشيخ مصطفى المراغي: «لقد فعلت يا بني ما يشبه المعجزة، وسننت سنّة في الأزهر لم تكن».

وعاد إلى العراق بعد أن اغترف من العلم الشرعي والعلم الدعوي، الأول اكتسبه من الأزهر، والثاني من خلال لقائه بالإمام حسن البنا، وقد اقتنع بفكرة البنا الإسلامية، وكان من المبرّزين في الدعوة إلى الله إلى أن لقي ربه.

واشتغل بالعمل الشعبي والتوجيه الإسلامي في المساجد والجمعيات، فانتسب إلى جمعية الشبان المسلمين بالموصل، وأنشأ جميعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها، كما أسس مع شيخ علماء العراق أمجد الزهاوي جمعية الأخوة الإسلامية التي قامت بدور رئيسي في مقاومة المحتل، والدعوة إلى الله.

وقد عمل مدرسا بكلية الشريعة في الأعظمية ببغداد، وفضّله على العمل في القضاء، برغم المصلحة الشخصية والجاه.

وكان العراق تحت النفوذ الإنكليزي، فكان الشيخ يقود المقاومة الشعبية، ويسيّر المظاهرات الصاخبة، ويلقي الخطب النارية ضد العدو وأعوانه، وقد تعرض خلالها للسجن والتشريد وقطعه عن عمله لمدة تسع سنوات.

أما قضية فلسطين والقدس فكان لها السهم الأكبر من كفاحه، حيث أسس (جمعية إنقاذ فلسطين) التي ضمت نخبة من المجاهدين والعاملين لقضية الإسلام الأولى في هذا العصر، هذه الجمعية التي قامت بجمع الأموال وتجهيز المتطوعين وتقديم الشهداء في سبيل الله للدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات.

وقد قامت هذه الجمعية بالدعوة إلى مؤتمر القدس عام ١٩٥٣ م. للعمل على تضافر الجهود الرسمية والشعبية، حيث حضره مجموعة كبيرة من علماء العالم الإسلامي وأئمة الدعوة والفكر والجهاد، أمثال الطنطاوي والزهاوي وسيد قطب ومحمد أمين الحسيني والسباعي، وقد انتدب المؤتمر الشيخ الصواف والشيخ أمجد الزهاوي والشيخ علي الطنطاوي للطواف بالعالم الإسلامي وشرح قضية فلسطين وتوحيد الجهود لتحريرها.

وكان له مساهمات كبيرة في المعارك التي خاضها المجاهدون المتطوعون من البلاد العربية والإسلامية، وقادتهم أمثال عبد القادر الحسيني، وعبد اللطيف أبو قورة، والدكتور مصطفى السباعي وأمثالهم.

وعند ما قامت ثورة ١٩٥٨ م في العراق بقيادة عبد الكريم قاسم، وسيطر الشيوعيون على مقاليد الأمور في بداياتها، انصبّ غضب هؤلاء على الشيخ الصواف ودعوته، يؤازرهم أعداء الإسلام من العلمانيين والقوميين، حيث عمدوا إلى تلفيق التهم ونشر الشائعات ضده وضد حركته الإصلاحية، وعمدوا إلى الهجوم على مطبعة مجلة «لواء الأخوة الإسلامية» وتحطيمها، وكذلك الهجوم على بيته ثم القبض عليه وسجنه في سجن أبو غريب مع ثلة من وجهاء العراق أمثال اللواء ركن محمود شيت خطاب.

وبعد خروجه من السجن، استمرت الملاحقة له، ومحاولة اغتياله من قبل الشيوعيين، مما اضطره إلى مغادرة بغداد في شهر أيلول سبتمبر ١٩٥٩ م في رحلة رهيبة شاقة تحفها المخاطر عن طريق الصحراء الفراتية، حيث تجلت عناية الله به ورعايته وتعمية عيون الأعداء والجواسيس عنه حتى وصل إلى الحدود السورية، حيث استقبل في البو كمال ودير الزور ثم حلب ودمشق استقبالا رائعا مشهودا على المستوى الشعبي، وكانت فرحة اللقاء به- بعد شائعة مقتله من قبل الشيوعيين- كبيرة من قبل علماء سوريا وشعبها. وعقدت له الاجتماعات الخطابية بكل مكان.

وبعد ذلك قدم إلى المدينة المنوّرة ثم إلى مكة المكرمة وأقام بها منذ عام ١٩٦٢ م. حيث عمل مدرسا بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة. وعضوا بالمجلس التأسيسي

<<  <  ج: ص:  >  >>