للتدريس، وعاد إلى جبلة بعد عام ١٩٤٨ م ليمارس مهنة التدريس. فعين مدرسا للتربية الإسلامية في الثانويات العامة وقام بها خير قيام.
هذا بالإضافة إلى التدريس العام في المساجد، فلازم التدريس والخطابة طوال حياته في مسجدي: السلطان إبراهيم بن أدهم رحمه الله، وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، مبتغيا في ذلك وجه الله عز وجل.
وقد أثر عنه انكبابه الزائد على العلم، وجلده الدائب على التدريس والتعليم. وقد بلغ مجموع ما طالعه ودرسه تسعين مجلدا في مختلف العلوم الشرعية والعربية .. وكان متواضعا في ملبسه ومأكله ولقاءاته ومدارسته، وعانى شظف العيش في سبيل العلم، ولا سيما بعد أن انقطعت عنه المعونة في أعقاب المأساة التي أصابت مسقط رأسه حيفا. كما عانى كثيرا من مضايقات السلطة في بلده، فلم يتبرم ولم ينافق ولم يتزلف ..
وافته المنية بجوار البيت الحرام في الساعة السابعة والخمسين دقيقة من مساء الأربعاء، الثامن والعشرين من جمادى الأولى، ودفن في مقبرة المعلا بمكة المكرمة (١).
محمد أديب الكيلاني (٠٠٠ - ١٤٠٢ هـ- ٠٠٠ - ١٩٨٢ م)
عالم، داعية، من حماة.
كانت له دروس في العقيدة من «جوهرة التوحيد».
محمد أسد (١٣١٨ - ١٤١٢ هـ- ١٩٠٠ - ١٩٩٢ م)
المفكر الإسلامي الكبير.
ولد بإقليم غاليسيا في بولندا في شهر يوليو، وكان الإقليم يومها تابعا للامبراطورية النمساوية.
كان أبواه يهوديين، وكان اسمه ليوبولد فايس.
وبدأ يتدرب ليصبح كاهنا مثل جده، إلا أن روحه القلقة جعلته يهرب ليلتحق بالجيش .. اشتغل بعد تخرجه من الجامعة في فيينا بالصحافة. سافر إلى القدس بدعوة من خاله، حيث تعرف على الحركة الصهيونية ورفضها.
بدأت من هناك رحلة عشقه الإسلام وعالمه، بدءا باستكشافه كزائر، ثم كصحافي، وانتهت باعتناقه الإسلام بالجزيرة العربية عام ١٩٢٦، ومن ثم انطلقت ملحمة تفاعل عقل من أبرز عقول القرن العشرين، مع الإسلام، تاريخه، عقائده، حاضره، مستقبله، ومشكلات أهله، وقد سجل وقائع هذه الملحمة في كتابه «الطريق إلى مكة» (صدر عام ١٩٥٣) الذي يعتبر من أروع الأعمال الأدبية والفكرية التي جاد بها هذا القرن.
وكتابه هذا يتحدث عن رحلة عقل تواق إلى معرفة الحقيقة، بحث عنها في ثنايا التوراة وأسفار اليهودية، ثم ابتغاها في مقاهي فيينا وصالوناتها في العشرينات، وغازل في سبيلها أعمال فرويد حينا وكتاباته في التحليل النفسي، ثم وجدها أخيرا في صحراء الجزيرة العربية ورمالها.
أحب جزيرة العرب وأهلها واعتبرها موطنه، صاحب الملك عبد العزيز وبادله الود، وظل من أخلص خلصائه زمانا، واتصلت مودته بأولاده من بعده.
تفاعل مع كل قضايا الأمة، حيث غامر في مطلع الثلاثينات بالتسلل إلى ليبيا، ورافق الشهيد عمر المختار وصحبه في جهاده ضد الإيطاليين. ثم انتقل بعد ذلك إلى الهند، حيث لقي العلامة محمد إقبال، وتوثقت بينهما مودة شديدة، وقد أقنعه إقبال بالتخلي عن الترحال، حيث كان ينشد الذهاب إلى تركستان وآسيا الوسطى، ولكن إقبال أصر عليه ليبقى ويساعد في إذكاء نهضة الإسلام في الهند، ومشروع إقامة دولة باكستان.
أقام في الهند حتى قيام الحرب العالمية الثانية، فكاد له الإنكليز هناك وحبسوه باعتباره مواطن دولة معادية (النمسا)، ولكن الإنكليز كانوا يتخوفون من أثره على المسلمين، وقد وقعت له بسبب الحبس كارثة، إذ ضاعت منه أكثر أجزاء ترجمة صحيح البخاري الذي أفنى شطرا من عمره وهو عاكف عليها.
بعد الحرب وقيام دولة باكستان انتقل إلى هناك، واكتسب جنسية الدولة الجديدة، ثم أصبح مدير قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية بها، فمندوبها الدائم في الأمم المتحدة في نيويورك، وفي عام ١٩٥٣ استقال من منصبه بعد ما أعلن أنه اطمأن إلى أن الدولة الجديدة قامت على قدميها.
في نيويورك التقى زوجته الثالثة بولا حميدة، وعاود معها ترحاله، وكان اعتنق الإسلام بصحبة زوجته إلزا، لكنها ما لبثت أن توفيت، فتزوج بامرأة عربية رزق منها بابنه الوحيد (هو الدكتور طلال الأسد الذي يدرّس في إحدى الجامعات الأميركية). وانفصل عن زوجته العربية بعد ذلك.
وفي عام ١٩٦٤ شرع في أضخم مشروع في حياته، وهو مشروع ترجمة معاني القرآن الكريم، وأمضى سبعة عشر عاما وهو يعد الترجمة، فكانت النتيجة في عام ١٩٨٠ صدور واحدة من أهم ترجمات معاني القرآن الكريم إلى الإنكليزية.
كان يحمل على كاهله ثقل القرن بكامله، نشأ وهو يشهد انهيار أوروبا القديمة وأحلامها وآمالها في حطام الحرب العالمية الأولى، ثم انصرف عنها يحمل هموم العالم الإسلامي وآماله وإحباطاته، مات أبواه في معسكرات الاعتقال النازية في الوقت
(١) المجتمع ع ٦٦٩ (٣٠/ ٧/ ١٤٠٤ هـ) ص ٣٩ بقلم عبد الله علوان.