بيننا، وصار يتحدث في الدين، وعلومه، ودراساته الشرعية، ليبين لهم ثقافته الإسلامية، بعد أن رأى هيئة الشباب وثقافتهم والتزامهم الإسلامي، وليمهد بذلك لحديثه عن أفكاره «الثورية»، ولأنه كان يعرف أكثر من غيره أن تدين الأكراد يمشي في عروقهم، ولا أمل في جلب ثقتهم إلا بالدين .. فعلمت ذلك، وكنت أعرف اتجاهه الشيوعي الماركسي، وعند ما أنهى تمهيده وأراد أن يدخل في الموضوع قاطعته، وبينت سوء نيته من تمهيده وحديثه في الدين لأمر آخر، فابتسم وتجلد، ولكنني أغضبته (وإذا أردت أن تعرف رجلا فأغضبه)، فاستشاط غضبا، وخرج عن «حلمه» وهدوئه الذي سبق أن تزيّن به، ورفع يده بشدة، ووضع مرفقه على طرف الكرسي الذي يجلس عليه، قابضا كفه بحزم، وقال ناظرا إلي: نعم إنني ملحد، ولا أؤمن بالله، وإذا كان الله موجودا فليأت وليحرّك يدي من هنا! !
عند ذلك انجفل زملائي وأصابهم الرعب لمّا رأوا هذه الصراحة «المفاجئة»، وهذا الإنكار الذي كان كصخرة عظيمة وقعت بينه وبينهم ..
وعرفت أنه من نوع الملك الذي حاجّ إبراهيم عليه السلام في ربّه! وهو الذي لا يؤمن إلا بالمحسوسات والمادة التي تظهر لعينيه!
فعند ما قال إبراهيم إن ربي يحيي ويميت، قال الملك: أنا أيضا أحيي وأميت، فأتى برجلين، وقطع رأس الأول، وترك الثاني، وقال: قد أمتّ هذا وأبقيت ذاك، فقد أحييته!
فعرف إبراهيم عليه السلام كيف يقدّم الحجة لأمثال هذه العقول المتكبّرة الملحدة، فقال: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ! ولم يحر جوابا، وعرف أن الأمر يتعلق بالنواميس الكبيرة، وسنن الله في الكون صورة الأمير جلادت بدر خان، ومعه من جهة اليسار: حسن آغا حاجو، ومن جهة اليمين:
حاج عبد الكريم. وخلفهم، من اليمين إلى اليسار: الدكتور نور الدين ظاظا، جميل آغا حاجو، الشاعر جكرخوين، مجيد جاجان حاجو
عامة، يعرفها ويعقلها من استعمل عقله بحرية.
وما كان الشاعر يرى عقله، ولكنه يرى آثاره! وما كان يرى الكهرباء، ولكنه يرى آثاره. وأشياء كثيرة لا نراها .. ولكننا نرى آثارها .. فكيف يغيب عن عقولنا خالق هذه الأكوان وموجد هذه الآثار كلها؟ !
وكان إنكاره للغيبيات بشكل عام، لمجرد أنه لا يراها!
هذا وقد دفن الشاعر في بيته الكائن في الحي الغربي من مدينة القامشلي. وله دواوين وقصائد حماسية كثيرة يحفظها الأكراد، ويرددونها كثيرا في محافلهم، وفي مناسباتهم القومية، ومعظمها تنصبّ في أحوال الأكراد الاجتماعية والثقافية السيئة، ومن آثاره:
- ديوان ثورة الحرية.- دمشق، ١٩٤٥ م.
- ديوان من أنا؟ .- بيروت، ١٣٩٣ هـ.
- ديوان الفجر.- استوكهولم، ١٤٠٢ هـ.
- ديوان الضياء، ١٤٠٠ هـ.
- ديوان الأمل، ١٤٠١ هـ.
- وألف قاموسا (كردي- كردي) فيما كان مدرسا للغة الكردية في جامعة بغداد.
وله مذكرات لم تنشر، كما أشرنا إليها.
شيخموس أحمد الشيخاني (١٣٢٤ - ١٤٠٨ هـ- ١٩٠٦ - ١٩٨٨ م)
فقيه شافعي.
ولد في «كودو» إحدى قرى الشيخان، منسوب إلى آل البيت. كان يقول: جدنا الحسين، ويقصد به الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
نشأ يتيما، ومع ذلك استطاع أن يتلقى العلوم الشرعية حسب الطريقة المتبعة بين الأكراد (نظام طلبة الفقه) ومذهب الشافعي، إذ يتكفل أهل القرية الفقهاء بإطعامهم وإيوائهم لما في ذلك من الأجر والمثوبة.
وكان شديد الثورة على الظلم، ويدعو إلى الله بما يقدر عليه. حج إلى بيت الله الحرام بعد الرابعة والسبعين من عمره، فأصابه المرض للمشقة التي نالته لدرجة أنه لم يتمكن من رمي الجمرات، فأناب من رمى عنه، وبعد قفوله من الحج لم يمكث