للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجليل، الذي لم أتتلمذ على أستاذ سواه، ولم أتربّ على يد شيخ غيره:

علوان، ابن شيخ إبراهيم حقي، ابن حسين العلواني. وهو حسيني النسب، يصل نسبه إلى الحسين بن علي رضي الله عنه، شافعي المذهب.

صحبته منذ أول دراستي الجامعية سنة ١٣٩٥ هـ، حيث زرته بصحبة زميلي عبد الرحمن محيي الدين أحمد، في قريته «حلوة». وسأل عن دراستي فقلت: الشريعة. فتهلّل وجهه أيّما تهلّل، وقال: والله إنها بشرى خير. وذلك أني كنت الأول والوحيد الذي سجّل الشريعة من بلدتي «القحطانية» التي كان يبلغ عدد سكانها آنذاك حوالي ١٢ ألف نسمة. وكان شيئا غريبا ونادرا أن يسجل المرء في هذا «التخصص»! !

ثم ترددت عليه كثيرا، وكان يكثر من النصح والإرشاد، وبيان الآداب والسلوك، ويخفف من «الحدّة» التي اتصفت بها في سن الشباب، التي كانت تتجاوز أحيانا الحكمة المطلوبة، في مجتمع يتطلب فيه الحلم والرفق، وخاصة أنني نشأت في بلد ليس فيه علماء، وهو أحوج ما يكون إلى الدعوة، ليعرف الناس دينهم، ولا يتشتتوا بين الأحزاب السياسية والقومية المقيتة، التي تفرّق المسلمين عن بعضهم البعض، وتدع المرء عدوا لأبيه وأخيه، بينما الدين يدعو إلى التكافل والمحبة والإخاء وصلة الرحم ..

ولم أدرس عنده أيا من العلوم الشرعية، بل كان ترددي عليه في مجالس العلم والوعظ والآداب والنصح والإرشاد، وكان يراجع لي بعض ما أكتب، ويشجعني كثيرا على الكتابة، وكتب مقدمة لكتابي الأول «الخضر بين الواقع والتهويل» في طبعته الأولى، الذي بدأت به سنة ١٣٩٨ هـ، وصدر عام ١٤٠٤ هـ. وقد أهديت إليه الكتاب رسميا، في ورقة خاصة قبل المقدمة ليطبع، ولكنه صدر بدون الإهداء المذكور، فندمت على ذلك، وذكرت له الخبر، ثم أهديت إليه أول كتاب حققته: «الحذر في أمر الخضر» للملا علي القاري، وصدر مطبوعا ..

نعم .. تتلمذت عليه من غير تصوف، فلست بصوفي، وإن كنت محبا لصفاء القوم، وسلوكهم التربوي الصحيح .. بل كان العهد الذي بينه وبيني هو: «الطاعة تجمعنا والمعصية تفرقنا». وقد نلت من يديه إجازة تصل في سندها إلى الإمام النووي رحمه الله، ومنه إلى أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. أفدت منه، واستفدت من أسلوبه التربوي، الذي اتسم بالرفق واللين والكلام الطيب، والحلم والوجاهة والسداد .. وكان لا يغتاب أحدا، ولا يسمح لأحد بالغيبة عنده، وهذا طوال ما رأيته .. وكان أكثر ما رأيت عليه من هم وقلق أثناء أحداث حماة بسورية، فكان واسطة خير في الجزيرة الفراتية، يراجع الدوائر الحكومية الأمنية من أجل بعض شباب الجزيرة لإطلاق سراحهم، وكان يتكفل بعضهم، فقط لإطلاق سراحهم، وكان يدعو ليل نهار.

وقد رأيت من فضله وتقواه الكثير.

ورأيت له كرامات بعيني، فرحمه الله رحمة واسعة، وأجزل مثوبته يوم الدين. ولن أوفي حقّ شيخي مهما كتبت فيه، وقد تلعثم لسان القلم طويلا، وبقي عييا أشهرا، ولم يسعفني إلا بما كتبت. ولم يخفف من حرقة القلب ما أسلت عليه من دموع لينطلق القلم فيه أكثر من هذا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وترك من الأبناء الأخ الحبيب، والأستاذ الجليل الدكتور أحمد معاذ حقي (أبو محمد)، أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة، الذي فجع قبل وفاة والده برحيل والدته أيضا، فكان صبورا محتسبا، وهو نعم الأخ الصادق الوفي .. وهو يعمل مدرسا في الجامعات السعودية. ثم الشيخ عبد الملك (أبو عمر) الاجتماعي اللبيب، الخطيب في جامع الغزالي بناحية القحطانية، والحبيب الحنون ياسر، الذي سمعت شيخي يقول فيه:

هو أشبه أولادي بي خلقا، فقيل له:

وخلقا يا شيخنا؟ فقال: أرجو ذلك.

ثم أصغرهم حسان المحترم، بالإضافة إلى شقيقتهم الكبرى (أم عبد السميع).

وقد كتب أستاذي الشيخ خاشع ترجمة لشقيقه، شيخي المترجم له، وهي كما يلي:

تلقى دراسته الابتدائية في العراق، ونال شهادتها عام ١٣٥٨ - ١٣٥٩ هـ من مدرسة الفلاح بالموصل. تربى في بيت علم وتقوى، وكان أول ما تلقى عن والده الذي كان منارا للعلم وعلما من أعلامه، فنشأ في رياض الفضائل والقيم الأخلاقية النبيلة، وترعرع على الصدق والعبادة والأمانة منذ نعومة أظفاره حتى بلغ مرحلة الشباب، فأرسله والده في الأربعينات إلى دمشق لدراسة العلم الشرعي برفقة أخيه الشيخ عدنان، ثم لحق بهما أخوهما خاشع.

حصل على الثانوية الشرعية عام ١٣٧٩ هـ، وانتسب إلى كلية الشريعة بدمشق، وتخرج منها عام ١٣٨٤ هـ ثم تعاقد مع السعودية ودرّس في بلدتي بلجرشي والباحة من بلاد غامد في الجنوب خمس سنوات، ثم تقدم إلى مسابقة انتقاء المدرسين في وزارة التربية في سورية، فتعين مدرسا عام ١٣٩٢ هـ، ولكنه استقال من التدريس في العام نفسه، إذ توفي أخوه الأكبر الشيخ محمد زكي- رحمه الله تعالى- الذي كان يشغل منصب والده، فجلس الشيخ علوان مكانه، حيث أضحى من بعده شيخا للطريقة في الجزيرة الفراتية بسورية، وسكنه بقرية حلوة، التي تبعد عن مدينة القامشلي ٢٠ كم. وقد بقي في هذا المنصب من عام ١٣٩٢ - ١٤١٢ هـ أي عشرين سنة تقريبا، وكان- رحمه الله- يعمل خلالها بجد ونشاط دائبين إلى أن وافاه أجله في دمشق إثر نوبة قلبية حادة، حيث كان يشكو من الربو.

<<  <  ج: ص:  >  >>