خمسة ملايين شهيد في ميدان الجهاد، وخمسة ملايين تم نفيهم إلى معتقلات سيبيريا، ونحو ثلاثة ملايين تركوا ديارهم مهاجرين في سبيل الله إلى مختلف دول العالم.
وكان لا بد له أن يهجر بلاده تركستان إلى بلد إسلامي آخر، حفاظا على دينه وحياته ومبادئه الإسلامية، بعد أن ظل يجاهد باللسان والقلم لسنوات طويلة، حتى أحاط به الخطر من كل جانب، فأجبرته الظروف على الهجرة.
فهاجر إلى أفغانستان في ذي القعدة سنة ١٣٤٨ هـ بعد أن تم حبسه ثلاث مرات، ونفيه مرة في تركستان من طرف الحكام الروس، ثم الاقتراح بحكم إعدامه متهما من قبل الحكومة الشيوعية بأنه عالم ديني وزعيم وطني وعدو للثورة الشيوعية.
وقد منح الجنسية الأفغانية بصفة استثنائية تكريما له.
ثم عينه الملك محمد نادر شاه مديرا عاما لقسم التأليف والترجمة، ومشرفا على الشؤون الإسلامية بالديوان الملكي، وكان من مهمته الاتصال بالعالم العربي الإسلامي، فكان همزة وصل بين القصر الملكي وبين من يزور أفغانستان من الزعماء والعلماء العرب والمسلمين.
وكان دائم الكتابة في الجرائد الأفغانية، أمثال (جريدة إصلاح، وجريدة أنيس، ومجلة كابل) في مواضيع شتى، ونال جائزة الصحافة.
هذا بالإضافة إلى تأليف العديد من الكتب الإسلامية.
كما نشرت مقالات كثيرة في الشؤون الإسلامية في الصحف والمجلات العربية منذ سنة ١٣٥٢ هـ، مثل (مجلة الأزهر، وجريدة الشعب، ومجلة منبر الإسلام) في مصر، و (مجلة الرابطة الإسلامية، وجريدة الشورى) في دمشق، و (جريدة صوت الحجاز) في السعودية.
كما كتب في صحف بالهند وباكستان واليابان ..
ثم قرر الإقامة في مصر منذ سنة ١٩٤٩ م، ورحبت به الحكومة المصرية في عهد الملك فاروق، وعاملته كأحد كبار العلماء الأفاضل وزعيم من الزعماء المجاهدين، وعينت له راتبا شهريا.
وأدخل الطرازي أولاده في الأزهر لدراسة العلوم الإسلامية، وانشغل بكتابة المقالات وتأليف الكتب الإسلامية، واهتم بالجامع الأزهر وشؤونه اهتماما خاصا، بمقابلة مشايخه، والتشاور معهم في القضايا الإسلامية. وعاش في القاهرة من سنة ١٩٥٠ م حتى وفاته.
وكان يلفت أنظار بعض المسؤولين في العالم الإسلامي لخطر انتشار الشيوعية في البلاد التي تعاني من مشكلات اقتصادية واجتماعية، وذلك بدعايات كاذبة من جانب الشيوعيين وأذنابهم، وبحجة مد يد المساعدة للدول النامية، لتجد الشيوعية طريقها في الانتشار بين شعوب تلك البلاد.
وكان من العلماء الداعين إلى اتحاد العالم الإسلامي في كل وقت، ولذلك قام في جميع مؤلفاته بالدعوة إلى اتحاد العالم الإسلامي .. ووضح سبب انحطاط المسلمين في العصور الأخيرة.
وفي عام ١٣٥٠ هـ سافر إلى السعودية بتكليف من الملك محمد نادر شاه للتشاور مع الحكومة السعودية بشأن عقد معاهدة الصداقة بين أفغانستان والسعودية، وأدى فريضة الحج لأول مرة. ثم كرر زياراته إلى الأراضي المقدسة في الأعوام ١٣٥١، ١٣٧٨، ١٣٨٧، ١٣٨٨، ١٣٩٥ هـ.
وكتب كثير من العلماء والمفكرين وبعض الباحثين وأساتذة الجامعات حول شخصية وجوده العلمية وخدماته الجليلة للإسلام، في مؤلفاتهم ومقالاتهم وقصائدهم وبحوثهم في العالم الإسلامي، في مصر والسعودية وسوريا، وفي أفغانستان وباكستان وتركيا وأندونيسيا، وكذلك في الهند واليابان، وفي أوروبا. وهناك عدة رسائل للماجستير والدكتوراه مسجلة في بعض الجامعات المصرية حول شخصية الشيخ الطرازي وجهاده ومؤلفاته العلمية.
توفي يوم الاثنين، الثالث من ربيع الأول، الموافق ٢١ فبراير (شباط) في القاهرة ..
وكان من تقدير أهل العلم والفكر الوفاء له في مصر، أن عقدت عنه بعد وفاته ندوة علمية لمدة ثلاثة أيام، في جامعة عين شمس بالقاهرة في سنة ١٩٨٧ م حضرها مديرو الجامعات والشخصيات الإسلامية، واشترك فيها نخبة من الأساتذة ببحوثهم القيمة، لبيان سيرته الذاتية ومؤلفاته العلمية، في خدمة العلم والإسلام.
عالم خان آخر ملوك بخارى
أما مؤلفاته فقد بلغ عددها نحو خمسين كتابا ورسالة في الموضوعات الإسلامية المختلفة، ألفها باللغات الإسلامية الثلاث (العربية والفارسية والتركية) مليئة بأفكار تهم الإنسان المسلم الذي يعيش في هذا العصر المهدد بالإباحية والدهرية وكوارث الفتن والحروب التي يشعلها الأعداء ضد الإسلام والمسلمين.
كما كتب الكثير من المقالات طوال خمس وأربعين سنة التي عاشها في