للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفاق من غشيته، رفع رأسه إلى عمه وقال: يا عم لعل هذا الماء الذي رش على وجهي غصب عليه صاحبه، فقال المعتصم: ويحكم أما ترون ما يتهجم به علي هذا وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا رفعت السوط عنه حتى يقول القرآن مخلوق. ثم التفت إلى أحمد وأعاد عليه القول، فرد أحمد كالأول. فلم يزل كذلك حتى ضجر وطال المجلس فعند ذلك قال: عليك لعنة الله، لقد كنت طمعت فيك قبل هذا، خذوه اخلعوه اسحبوه فأخذ وسحب ثم خلع. ثم قال المعتصم:

السياط. قال الإمام أحمد: وكان عندي شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، قد صررتها في كم قميصي فجاء بعض القوم إلى قميصي ليحرقه فقال له المعتصم: لا تحرقوه وانزعوه عنه وإنما درىء عن القميص الحرق ببركة شعر النبي صلى الله عليه وسلم. وشدوا يديه فتخلعت. ولم يزل أحمد يتوجع منها حتى مات. ثم قال المعتصم للجلادين: تقدموا ونظر إلى السياط، فقال: ائتوا بغيرها ثم قال لأحدهم:

أذمه «١» وأوجع قطع الله يدك: فتقدم وضربه سوطين، ثم تنحى. ثم قال لآخر: أذمه وشد قطع الله يدك، فتقدم وضربه سوطين، ثم تنحى. ولم يزل يدعو رجلا رجلا فيضربه كل واحد سوطين ويتنحى. ثم قال المعتصم وجاءه، وهم محدقون به، وقال: يا أحمد تقتل نفسك: أجبني حتى أطلق غلك بيدي وجعل بعضهم يقول له: يا أحمد إمامك على رأسك قائم فاجبه، وعجيف ينخسه بالسيف، ويقول أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم، وبعضهم يقول: يا أمير المؤمنين اجعل دمه في عنقي، فرجع المعتصم إلى الكرسي، ثم قال للجلاد: أذمه قطع الله يدك ثم جاء المعتصم إليه ثانيا، وقال: يا أحمد أجبني: فقال كالأول. فرجع المعتصم وجلس على الكرسي، ثم قال للجلاد: شد عليه قطع الله يدك. قال أحمد: فذهب عقلي فما عقلت إلا وأنا في حجرة مطلق عني. وكل ذلك وهو صائم لم يفطر رضي الله تعالى عنه. وضرب ثمانية عشر سوطا، فلما كان في أثناء الضرب، انحلت وزرته فهمهم بشفتيه، فخرجت يدان فربطتاها. فسئل عن ذلك بعد اطلاقه. فقال: قلت أللهم إن كنت على الحق فلا تفضحني. ثم وجه المعتصم رجلا ينظر الضرب والجراحات ويعالجه، فنظر إليه وقال: والله لقد رأيت من ضرب ألف سوط، فما رأيت ضربا أشد من هذا. ثم عالجه وبقي أثر الضرب بينا في ظهره إلى أن مات رحمة الله تعالى عليه. وقال صالح: سمعت أبي يقول: والله لقد أعطيت المجهود من نفسي، ولوددت أني أنجو من هذا الأمر كفافا لا علي ولا لي.

وحكي أن الشافعي رضي الله تعالى عنه، لما كان بمصر، رأى في المنام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وهو يقول له: بشر أحمد بن حنبل بالجنة، على بلوى تصيبه فإنه يدعى إلى القول بخلق القرآن فلا يجب إلى ذلك، بل يقول هو منزل غير مخلوق. فلما أصبح الشافعي رضي الله تعالى عنه، كتب صورة ما رآه في منامه، وأرسله مع الربيع إلى بغداد إلى أحمد فلما وصل بغداد، قصد منزل أحمد واستأذن عليه فأذن له، فلما دخل عليه قال له: هذا كتاب أخيك الشافعي، فقال له: هل تعلم ما فيه؟ قال: لا ففتحه وقرأه وبكى. وقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله. ثم أخبره بما فيه، فقال:

الجائزة، وكان عليه قميصان أحدهما على جسده، والآخر فوقه. فنزع الذي على جسده ودفعه

<<  <  ج: ص:  >  >>