للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللأسد والذئب في الصبر على الجوع ما ليس لغيرهما من الحيوان، لكن الأسد شديد النهم حريص رغيب شره، وهو مع ذلك يحتمل أن يبقى أياما لا يأكل شيئا والذئب وإن كان أقفر منزلا، وأقل خصبا وأكثر كدا، إذا لم يجد شيئا اكتفى بالنسيم، فيقتات به وجوفه يذيب العظم المصمت، ولا يذيب نوى التمر، ولا يوجد الالتحام عند السفاد إلا في الكلب والذئب. ومتى التحم الذئب والذئبة، وهجم عليهما هاجم قتلهما كيف شاء، إلا أنهما لا يكادان يوجدان كذلك، لأنهما إذا أرادا السفاد توخيا موضعا لا يطؤه الإنس، خوفا على أنفسهما ويسفد مضطجعا على الأرض، وهو موصوف بالانفراد والوحدة، وإذا أراد العدو فإنما هو الوثب والقفز، ولا يعود إلى فريسة شبع منها أبدا. ومن عجيب امره أنه ينام بإحدى مقلتيه والأخرى يقظى حتى تكتفي العين النائمة من النوم، فيفتحها وينام بالأخرى ليحترس باليقظى ويستريح بالنائمة قال حميد»

بن ثور في وصفه، في أبيات مشهورة منها:

ونمت كنوم الذئب في ذي حفيظة ... أكلت طعاما دونه وهو جائع «٢»

ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع

وهو أكثر الحيوان عواء إذا كان مرسلا فإذا أخذ وضرب بالعصي والسيوف حتى يتقطع أو يهشم لم يسمع له صوت إلى أن يموت. وفيه من قوّة حاسة الشم، أنه يدرك المشموم من فرسخ.

وأكثر ما يتعرض للغنم في الصبح وإنما يتوقع فترة الكلب ونومه وكلاله، لأنه يظل طول ليله حارسا متيقظا. ومن غريب أمره أنه إذا إجتمع جلده مع جلد شاة تمغط جلد الشاة، وأنه متى وطىء ورق العنصل مات من ساعته. والذئب إذا كده الجوع عوى فتجتمع له الذئاب، ويقف بعضها إلى بعض.

فمن ولى منها وثب إليه الباقون وأكلوه، وإذا عرض للإنسان، وخاف العجز عنه، عوى عواء استغاثة فتسمعه الذئاب، فتقبل على الإنسان اقبالا واحدا، وهم سواء في الحرص على أكله، فإن أدمى الإنسان واحدا منها، وثب الباقون على المدمى فمزقوه، وتركوا الإنسان. وقال بعض الشعراء يعاتب صديقا له وكان قد أعان عليه في أمر نزل به:

وكنت كذئب السّوء لما رأى دما ... بصاحبه يوما أحال على الدم «٣»

روى البيهقي في الشعب، عن الأصمعي، قال: دخلت البادية فإذا بعجوز بين يديها شاة مقتولة وجرو ذئب مقع، فنظرت إليها فقالت: أتدري ما هذا؟ قلت: لا. قالت: جرو ذئب أخذناه وأدخلناه بيتنا، فلما كبر قتل شاتنا. وقد قلت في ذلك شعرا قلت لها: ما هو؟ فأنشدته:

بقرت شويهتي وفجعت قلبي ... وأنت لشاتنا ولد ربيب «٤»

<<  <  ج: ص:  >  >>