للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا الحجر فانصدع حتى عرفوا وتبين لهم.

وقال الآخر: قد عملت حسنة مرة، كان لي أبوان شيخان كبيران، وكان لي غنم فكنت أطعم والدي وأسقيهما، ثم أرجع إلى غنمي، فأصابني يوما غيث، فحبسني حتى أمسيت، فأتيت أهلي وأخذت محلبي، فحلبت غنمي وتركتها قائمة، ومضيت إلى أبوي، فوجدتهما قد ناما، فشق علي أن أوقظهما، وشق علي أن أترك غنمي، فما برحت جالسا ومحلبي على يدي، حتى أيقظهما الصبح فسقيتهما. اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا. قال النعمان بن بشير: لكأني أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الجبل طاق طاق ففرج الله عنهم فخرجوا» .

وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الرقيم واد بين عمان وأيلة دون فلسطين، وهو الوادي الذي فيه أصحاب الكهف.

وقال كعب: هي قريتهم وهو على هذا التأويل من رقمة الوادي، وهو موضع الماء منه، تقول العرب: عليك بالرقمة ودع الضفة. والضفتان جانبا الوادي.

وقال سعيد بن جبير: الرقيم لوح من حجارة. وقيل: من رصاص كتبوا فيه أسماء أهل الكهف، وهو على هذا التأويل بمعنى المرقوم أي الكتاب المرقوم. والرقم الخط والعلامة والرقم الكتابة. ثم ذكر صفتهم فقال «١» تعالى: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ

أي رجعوا وصاروا إليه.

واختلفوا في سبب مصيرهم إلى الكهف، فقال محمد بن اسحاق: مرح أهل الإنجيل وكثرت الخطايا فيهم، وعظمت الذنوب وطغت فيهم الملوك، حتى عبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت، وفيهم بقايا على دين المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام، متمسكين بعبادة الله وتوحيده.

فكان ممن فعل ذلك ملك من ملوكهم من الروم، يقال له دقيانوس، كان قد عبد الأصنام وذبح للطواغيت، وقتل من خالفه في ذلك ممن أقام على دين المسيح، وكان ينزل قرى الروم فكان لا يترك فيها أحدا مؤمنا إلا فتنة، حتى يعبد الأصنام ويذبح للطواغيت، حتى نزل مدينة أصحاب الكهف، وهي أفسوس، فلما نزلها كبر ذلك على أهل الإيمان فاستخفوا منه، وهربوا في كل وجه.

وكان دقيانوس قد أمر حين قدمها أن يتتبع أهل الإيمان في أماكنهم، فيجمعوا له واتخذ شرطة من الكفار، من أهلها فجعلوا يتتبعون أهل الإيمان، في أماكنهم فيخرجونهم إلى دقيانوس، فيقدمهم إلى الجامع الذي يذبح فيه للطواغيت، فيخيرهم بين القتل وعبادة الأصنام والذبح للطواغيت، فمنهم من يرغب في الحياة، ومنهم من يأبى أن يعبد غير الله تعالى فيقتل.

فلما رأى أهل ذلك البلد الشدة في الإيمان بالله جعلوا يسلمون أنفسهم للعذاب والقتل، فيقطعون ويعلق ما قطع من أجسادهم على سور المدينة ونواحيها كلها، وعلى كل باب من أبوابها، حتى عظمت الفتنة على أهل الإيمان منهم، من أقر فترك، ومنهم من صلب على دينه فقتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>