للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى عبادة الأصنام، وكانوا سبعة فمروا براع معه كلب، فتبعهم على دينهم، فخرجوا من البلد فآووا إلى الكهف وهو قريب من البلدة، فلبثوا فيه، ليس لهم عمل إلا الصلاة والصيام والتسبيح والتكبير والتحميد، ابتغاء وجه الله، وجعلوا نفقتهم إلى فتى منهم، يقال له تمليخا، فكان على طعامهم يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة سرا، وكان من أجملهم وأجلدهم، فكان تمليخا يصنع ذلك، فإذا دخل المدينة يضع ثيابا كانت عليه حسانا، ويلبس كثياب المساكين، الذين يطعمون فيها، ثم يأخذ ورقة ثم ينطلق إلى المدينة فيشتري لهم طعاما وشرابا، ويسمع ويتجسس لهم الخبر، هل ذكر أصحابه بشيء أم لا ثم يرجع إلى أصحابه.

فلبثوا كذلك ما لبثوا، ثم قدم دقيانوس الجبار المدينة فأمر العظماء، فذبحوا للطواغيت، ففزع لذلك أهل الإيمان، وكان تمليخا بالمدينة يشتري لأصحابه الطعام والشراب، فرجع لأصحابه وهو يبكي ومعه طعام قليل، فأخبرهم أن الجبار دقيانوس قد دخل المدينة، وأنهم قد ذكروا مع عظماء المدينة، ليذبحوا الطواغيت، فلما أخبرهم فزعوا ووقعوا سجدا يدعون الله تعالى، ويتضرعون إليه، ويتعوذون به من الفتنة، ثم إن تمليخا قال لهم: يا اخوتاه ارفعوا رؤوسكم وأطعموا من رزق الله، وتوكلوا عليه، فرفعوا رؤوسهم وأعينهم تفيض من الدمع، حزنا وخوفا على أنفسهم، فطعموا منه وذلك عند غروب الشمس، ثم جلسوا يتحدثون ويتدارسون، ويذكر بعضهم بعضا، فبينما هم على ذلك إذ ضرب الله على آذانهم في الكهف، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف، فأصابه ما أصابهم، وهم مؤمنون موقنون ونفقتهم عند رؤوسهم.

فلما كان الغد تفقدهم دقيانوس والتمسهم فلم يجدهم، فقال لبعض أصحابه: قد ساءني هؤلاء الفتية الذين ذهبوا، لقد كانوا ظنوا بي غضبا عليهم لجهلهم ما جهلوا من أمري، وما كنت لأجهل عليهم، ولا على واحد منهم إن تابوا وعبدوا إلهي.

فقال له عظماء المدينة: ما أنت بحقيق أن ترحم قوما فجرة مردة عصاة، مقيمين على ظلمهم ومعصيتهم، قد كنت أجلتهم أجلا، ولو شاؤوا لرجعوا في ذلك الأجل، ولكنهم لم يتوبوا. فلما قالوا له ذلك: غضب غضبا شديدا، ثم أرسل إلى آبائهم فسأل عنهم؛ ثم قال:

أخبروني عن أبنائكم المردة الذين عصوني؟ فقالوا له: أما نحن فلن نعصيك، فلم تقتلنا بقوم مردة ذهبوا بأموالنا فأهلكوها بأسواق المدينة، ثم انطلقوا فارتقوا إلى جبل يقال له منحلوس، فلما قالوا له ذلك، خلى سبيلهم، وجعل ما يدري ما يفعل بالفتية، فألقى الله في نفس دقيانوس أن يأمر بالكهف فيسد عليهم.

وأراد الله أن يذكرهم ويجعلهم آية، ويستخلف من بعدهم، وأن يبين لهم أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، ويدعوهم كما هم في الكهف يموتون عطشا وجوعا، وليكن كهفهم الذي اختاروا قبرا لهم، وهو يظن أنهم أيقاظ يعلمون ما يصنع بهم. وقد توفى الله أرواحهم وفاة النوم، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف، قد غشيه ما غشيهم ذات اليمين وذات الشمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>