للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم إن رجلين مؤمنين كانا في بيت الملك دقيانوس، يكتمان إيمانهما، كان اسم أحدهما مندروس، والآخر دوماس، ائتمرا أن يكتبا أسماء الفتية وأنسابهم وخبرهم، في لوح رصاص يجعلاه في تابوت من نحاس، ثم يجعلا التابوت في البنيان، وقالا: لعل الله يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين، قبل يوم القيامة، فيعلم من فتح عليهم خبرهم، حين يقرأ هذا الكتاب. ففعلا ثم بنيا عليهم فبقي دقيانوس ما بقي، ثم مات وقومه وقرون بعد ذلك كثيرة، وخلفاء الملوك بعد الملوك.

وقال عبيد بن عمير: كان أصحاب الكهف فتيانا مطوقين مسورين ذوي ذوائب «١» ، وكان معهم كلب صيدهم فخرجوا في عيد لهم عظيم، في زي وموكب، وأخرجوا معهم آلهتهم التي يعبدونها من دون الله، وقد قذف الله في قلوب الفتية الإيمان، وكان أحدهم وزير الملك، فآمنوا وأخفى كل واحد منهم الإيمان عن أخيه، فقالوا في أنفسهم، من غير أن يظهر بعضهم على بعض: نخرج من بين أظهر هؤلاء القوم، لئلا يصيبنا عقاب بجرمهم، فخرج شاب منهم حتى انتهى إلى ظل شجرة، فجلس فيه ثم خرج آخر فرآه جالسا وحده، فرجا أن يكون على مثل أمره، من غير أن يظهر له ذلك، فجلس إليه ثم خرج الآخرون فجاؤوا وجلسوا إليهما.

واجتمعوا، فقال بعضهم لبعض: ما جمعكم؟ وقال آخر: ما حملكم؟ وكل واحد يكتم عن صاحبه إيمانه، مخافة على نفسه، ثم قالوا: ليخرج كل فتيين منكم فيخلوا ثم ليفش كل واحد منهما لصاحبه أمره، فخرج فتيان منهم، فتوافقا. ثم تكلما، فذكر كل واحد منهما أمره لصاحبه، فأقبلا مستبشرين إلى أصحابهما، فقالا: قد اتفقنا على أمر واحد، فإذا هم جميعا على أمر واحد، وهو الإيمان، وإذا كهف في الجبل قريب منهم، فقال بعضهم لبعض: فأووا إلى الكهف، ينشر لكم ربكم من رحمته، ويهييء لكم من أمركم مرفقا، فدخلوا الكهف ومعهم كلب صيدهم، فناموا ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا.

وفقدهم الملك وقومهم فطلبوهم فعمى الله عليهم آثارهم وكهفهم، فلما لم يقدروا عليهم، كتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح من رصاص: فلان وفلان أبناء ملوكنا، فقدناهم في شهر كذا من سنة كذا في مملكة فلان، ووضعوا اللوح في خزانة الملك وقالوا: ليكونن لهذا شأن ومات ذلك الملك وجاء قرن من بعد قرن.

وقال وهب بن منبه: جاء حواري عيسى ابن مريم إلى مدينة أصحاب الكهف، فأراد أن يدخلها، فقيل له: إن على بابها صنما لا يدخلها إلا سجد له، فكره أن يدخلها وأتى حماما قريبا من تلك المدينة، فكان فيه وكان يؤاجر نفسه من الحمامي في حمامه، ويعمل فيه ورأى الحمامي في حمامه البركة، ودر عليه الرزق، فجعل يقوم عليه وعلقه فتية من أهل المدينة، فجعل يخبرهم خبر السماء والأرض، وخبر الآخرة، حتى آمنوا بالله وصدقوه. وكانوا على مثل حاله من حسن الهيئة، وكان شرط على صاحب الحمام، أن الليل لا يحول بيني وبينه أحد، ولا بين الصلاة، وكان على ذلك، حتى أتى ابن الملك بامرأة، فدخل بها الحمام، فعيره الحمامي، وقال له: أنت ابن الملك

<<  <  ج: ص:  >  >>