للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتدخل مع هذه! فاستحيا وذهب، ثم رجع مرة أخرى، فقال له مثل ذلك فسبه وانتهره، ولم يلتفت إليه حتى دخلاه جميعا فماتا معا في الحمام.

فأتى الملك، فقيل له: صاحب الحمام قتل ابنك، فالتمس فلم يقدر عليه وهرب. فقال:

من كان يصحبه؟ فسموا الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة، فمروا على صاحب لهم في زرع، وهو على مثل إيمانهم، فذكروا له أنهم التمسوا، فانطلق معهم، وكان معه كلب، حتى آواهم الليل إلى كهف، فقالوا: نبيت ههنا الليلة ثم نصبح، فترون رأيكم فضرب الله على آذانهم، فخرج الملك في أصحابه يطلبهم، فتبعوهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف، فكلما أراد الرجل منهم دخوله، أرعب فلم يطق أحد منهم أن يدخله، فقال قائل من أصحاب الملك: أليس لو كنت تقدر عليهم قتلتهم؟ قال: بلى. قال: فابن عليهم باب الكهف، واتركهم فيه يموتون جوعا وعطشا، ففعل ذلك.

قال وهب: فمكثوا بعد ما سد عليهم باب هذا الكهف، زمانا بعد زمان، ثم إن راعيا أدركه المطر عند باب الكهف، فقال في نفسه: لو فتحت باب هذا الكهف، وأدخلت فيه غنمي من المطر، فلم يزل يعالجه حتى فتحه، ورد الله عليهم أرواحهم من الغد، حين أصبحوا.

قال محمد بن اسحاق: ثم ملك أهل تلك البلاد رجل صالح، يقال له تاودوسيوس، فلما ملك بقي في ملكه ثمانيا وثمانين سنة، فتحزب الناس في ملكه، وكانوا أحزابا، فمنهم من يؤمن بالله ويعلم أن الساعة حق، ومنهم من يكذب بها، فكبر ذلك على الملك الصالح، وشكا إلى الله وتضرع إليه، وحزن حزنا شديدا، لما رأى أهل الباطل يزيدون ويظهرون على أهل الحق، ويقولون: لا حياة إلا الحياة الدنيا، وإنما تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد، فأما الجسد فتأكله الأرض، ونسوا ما في الكتاب.

فجعل تاودوسيوس يرسل إلى كل من يظن فيه خيرا وأنه معه على الحق، فجعلوا يكذبون بالساعة، حتى كادوا يحولون الناس عن الحق وملة الحواريين، فلما رأى ذلك الملك الصالح تاودوسيوس، دخل بيته وأغلقه عليه ولبس مسحا، وجعل تحته رمادا ثم جلس عليه، فدأب ليلا ونهارا يتضرع إلى الله ويبكي مما يرى فيه الناس، ويقول: أي رب قد ترى اختلاف هؤلاء، فابعث إليهم من يبين لهم.

ثم إن الرحمن الرحيم الذي يكره هلكة العباد، أراد أن يظهر الفتية أصحاب الكهف، ويبين للناس شأنهم ويجعلهم آية تبين لهم، وحجة عليهم، ليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يستجيب لعبده الصالح تاودوسيوس، وأن يتم نعمته عليه، وأن لا ينزع عنه ملكه ولا الإيمان الذي أعطاه، وأن يعبد الله ولا يشرك به شيئا، وأن يجمع من كان ببلده من المؤمنين، فألقى الله عز وجل في نفس رجل من أهل ذلك الجبل، الذي به أهل الكهف أن يبني فيه حظيرة لغنمه، فاستأجر عاملين، فجعلا ينزعان تلك الأحجار، ويبنيان بها تلك الحظيرة، حتى فرغ ما على فم الكهف، وفتح عليهم باب الكهف، وحجبهم الله عن الناس بالرعب، فيزعمون أن أشجع من يريد أن ينظر إليهم، من يدخل من باب الكهف، ثم يتقدم حتى يرى كلبهم دونهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>