للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى باب الكهف قائما، فلما نزعت الحجارة، وفتح عليهم باب الكهف، أذن الله ذو القدرة والعظمة والسلطان، محيي الموتى، أن يجلسوا بين ظهراني الكهف، فجلسوا فرحين مستبشرة وجوههم، طيبة أنفسهم فسلم بعضهم على بعض، حتى كأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون فيها، إذا أصبحوا من ليلتهم التي يبيتون فيها، ثم قاموا إلى الصلاة، فصلوا كالذي كانوا يفعلون، لا يرى في وجوههم، ولا في أبشارهم، ولا في ألوانهم شيء يكرهونه، إنما هم كهيئتهم حين رقدوا، وهم يرون أن ملكهم دقيانوس الجبار في طلبهم.

فلما قضوا صلاتهم، قالوا لتمليخا صاحب نفقتهم: ائتنا يا أخي بالذي قال الناس في شأننا، عشية أمس عند الجبار، وهم يظنون أنهم رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون أمس، وقد خيل إليهم أنهم ناموا كأطول ما كانوا ينامون في الليلة التي أصبحوا فيها، حتى تساءلوا بينهم، فقال بعضهم لبعض كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ

«١» وكل ذلك في أنفسهم يسير، فقال لهم تمليخا: افتقدتم والتمستم بالمدينة، وهو يريد أن يأتي بكم اليوم، فتذبحون للطواغيت، أو يقتلكم، فما شاء الله بعد ذلك فعل. فقال لهم مكسلمينا: يا اخوتاه، اعلموا أنكم ملاقو الله، فلا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم غدا. ثم قال لتمليخا: انطلق إلى المدينة، فتسمع ما يقال لنا بها اليوم، وما الذي نذكر به عند دقيانوس، وتلطف ولا تشعرن بنا أحدا، وابتغ لنا طعاما وائتنا به، فإنه قد نالنا الجوع وزدنا على الطعام الذي تجيئنا به العادة، فإنه كان قليلا وقد أصبحنا جياعا.

ففعل تمليخا كما كان يفعل، وخرج ووضع ثيابه، وأخذ الثياب التي كان يتنكر فيها، وأخذ ورقا من نفقتهم، التي كانت معهم، التي ضربت بطابع دقيانوس، وكانت كخفاف الربع، فانطلق تمليخا خارجا، فلما مر بباب الكهف، رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف، فعجب منها، ثم مر فلم يبال بها حتى أتى باب المدينة مستخفيا، يصد عن الطريق تخوفا من أن يراه أحد من أهلها، فيعرفه فيذهب به إلى دقيانوس الجبار، ولم يشعر بالعبد الصالح، وأن دقيانوس وأهله قد هلكوا قبل ذلك بثلاثمائة سنة.

فلما رأى تمليخا باب المدينة، رفع رأسه فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لأهل الإيمان، فلما رآها عجب وجعل ينظر إليها مستخفيا، فنظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا ممن يعرفه. ثم ترك ذلك الباب، وتحول إلى باب آخر من أبوابها، فرأى مثل ذلك، فجعل يخيل إليه أن المدينة ليست بالتي كان يعرفها، ورأى ناسا كثيرين محدثين لم يكن يعرفهم قبل ذلك، فجعل يمشي ويتعجب منهم ومن نفسه، ويخيل إليه أنه حيران ثم رجع إلى الباب الذي أتى منه، فجعل يتعجب منهم ومن نفسه، ويقول: يا ليت شعري أما هذه عشية أمس كان المسلمون يخفون هذه العلامة، ويستخفون بها فأما اليوم فإنها ظاهرة، لعلي حالم! ثم يرى أنه ليس بنائم.

فأخذ كساءه وجعله على رأسه، ثم دخل المدينة فجعل يمشي بين ظهراني سوقها فيسمع ناسا كثيرين يحلفون بالله، ثم بعيسى ابن مريم فزاده عجبا! ورأى كأنه حيران، فقام مسندا ظهره إلى جدار من جدران المدينة، ويقول في نفسه: والله ما أدري ما هذا؟ أما عشية أمس فليس على

<<  <  ج: ص:  >  >>