للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

به، كما يسخرون من المجنون والحيران، وجعل تمليخا يبكي ثم رفع رأسه إلى السماء، وقال:

اللهم إله السماء وإله الأرض، أفرغ علي اليوم صبرا، وأولج معي روحا منك، تؤيدني به عند هذا الجبار، وجعل تمليخا يبكي ويقول في نفسه: فرق بيني وبين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيت، وأين يذهب به فلو أنهم يعلمون فيأتوني، فنقوم جميعا بين يدي هذا الجبار، فإنا كنا توافقنا لنكونن معا لا نكفر بالله ولا نشرك به شيئا، ولا نعبد الطواغيت من دون الله عز وجل، فرق بيني وبينهم فلم أرهم ولم يروني، وقد كنا توافقنا أن لا نفترق في حياة ولا موت أبدا، يا ليت شعري ما هو فاعل بي أقاتلي أم لا؟

هذا ما حدث به تمليخا أصحابه عن نفسه حين رجع إليهم، ثم انتهي به إلى الرجلين الصالحين أرموس واصطفوس، فلما رأى تمليخا أنه لم يذهب به إلى دقيانوس أفاق وسكن عنه البكاء، فأخذ أرموس واصطفوس الورق فنظرا إليها وعجبا منها، ثم قال له أحدهما: أين الكنز الذي وجدته يا فتى؟ فهذا الورق يشهد عليك أنك قد وجدت كنزا! فقال له تمليخا: ما وجدت كنزا، ولكن هذا الورق ورق آبائي، ونقش هذه المدينة وضربها. ولكني والله ما أدري ما شأني وما أدري ما أقول لكم! فقال أحدهما: من أنت؟ فقال له تمليخا: أما ما أرى، فإني كنت أرى أني من أهل هذه المدينة. فقالوا له: من أبوك ومن يعرفك بها؟ فأنبأهم باسم أبيه، فلم يجدوا أحدا يعرفه ولا أباه. فقال له أحدهما: أنت رجل كذاب لا تخبر بالحق، فلم يدر تمليخا ما يقول لهم، غير أنه نكس رأسه إلى الأرض، فقال بعض من حوله: هذا الرجل مجنون، وقال بعضهم: ليس بمجنون ولكنه يحمق نفسه عمدا، لكي يفلت منكم. فقال له أحدهما ونظر إليه نظرا شديدا:

أتظن أنا نرسلك ونصدقك هذا مال أبيك، ونقش هذا الورق وضربها، أكثر من ثلاثمائة سنة؟

وأنت غلام شاب تظن أنك تأفكنا وتسخر بنا، ونحن شمط كما ترى، وحولك سراة «١» أهل المدينة، وولاة أمرها وخزائن هذه البلدة بأيدينا، وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار.

وإني لأظنني سآمر بك فتضرب وتعذب عذابا شديدا، ثم أوثقك حتى تقر بهذا الكنز الذي وجدت.

فلما قال له ذلك، قال له تمليخا: أنبئوني عن شيء أسألكم عنه، فإن فعلتم صدقتكم ما عندي؟ قالوا: سل لا نكتمك شيئا. قال: فما فعل الملك دقيانوس؟ فقالوا له: ليس نعرف اليوم على وجه الأرض ملكا يسمى دقيانوس، ولم يكن إلا ملكا قد هلك منذ زمان ودهر طويل، وقد هلكت بعده قرون كثيرة.

فقال لهم تمليخا: فو الله ما يصدقني أحد من الناس بما أقول: لقد كنا فتية الملك، وأنه أكرهنا على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت، فهربنا منه عشية أمس، فنمنا، فلما انتبهنا خرجت لأشتري لأصحابي طعاما وأتجسس لهم الأخبار، فإذا أنا كما ترون، فانطلقوا معي إلى الكهف الذي في جبل منحلوس، أريكم أصحابي، فلما سمع أرموس واصطفوس ما يقول تمليخا، قالا:

يا قوم لعل هذه آية من آيات الله عز وجل، جعلها الله لكم على يدي هذا الفتى، فانطلقوا بنا معه

<<  <  ج: ص:  >  >>