للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يرينا أصحابه كما قال. فانطلق معه أرموس واصطفوس، وانطلق معهما أهل المدينة كبيرهم وصغيرهم نحو أصحاب الكهف لينظروا إليهم.

ولما رأى الفتية أصحاب الكهف، تمليخا قد احتبس عنهم بطعامهم وشرابهم، عن القدر الذي كان يأتيهم فيه، ظنوا أنه قد أخذ وذهب إلى ملكهم دقيانوس، الذي هربوا منه. فبينما هم يظنون ذلك ويتخوفونه إذا سمعوا الأصوات، وجلبة الخيل مصعدة نحوهم، فظنوا أنهم رسل الجبار دقيانوس، بعث إليهم ليؤتى بهم، فقاموا حين سمعوا ذلك إلى الصلاة وسلم بعضهم على بعض، وقالوا: انطلقوا بنا إلى أخينا تمليخا، فإنه الآن بين يدي الجبار دقيانوس، ينتظر متى نأتيه.

فبينما هم يقولون ذلك وهم جلوس بين ظهراني الكهف فلم يروا إلا أرموس وأصحابه، وقوما وقوفا على باب الكهف، وقد سبقهم تمليخا فدخل عليهم وهو يبكي، فلما رأوه يبكي بكوا معه، ثم سألوه عن شأنه فأخبرهم بخبره وقص عليهم المسألة فعرفوا عند ذلك أنهم كانوا نياما بإذن الله تعالى ذلك الزمان كله، وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس وتصديقا للبعث، وليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها.

ثم دخل على أثر تمليخا أرموس، فرأى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم من فضة، فقام بباب الكهف ودعا رجالا من عظماء أهل المدينة، ففتح التابوت عندهم فوجدوا فيه لوحين من رصاص، مكتوبا فيهما: إن مكسلمينا وامليخا (أو تمليخا) مرطوكش ونوالس وسانيوس وبطنيوس وكشفوطط كانوا فتية، هربوا من ملكهم دقيانوس الجبار، مخافة أن يفتنهم عن دينهم، فدخلوا في هذا الكهف، فلما أخبر بمكانهم أمر بهذا الكهف فسد عليهم بالحجارة، وأنا كتبنا شأنهم وخبرهم ليعلم من بعدهم إن عثر عليهم.

فلما قرؤوه عجبوا وحمدوا الله عز وجل، الذي أراهم آية البعث فيهم. ثم رفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه ثم دخلوا على الفتية الكهف فوجدوهم جلوسا بين ظهرانيه ووجوههم مشرقة لم تبل ثيابهم. فخر أرموس وأصحابه سجدا لله تعالى وحمدوا الله الذي أراهم آية من آياته، ثم كلم بعضهم بعضا وأنبأهم الفتية عن الذي لقوا من ملكهم دقيانوس الجبار. ثم إن أرموس وأصحابه بعثوا بريدا إلى ملكهم الصالح تاودوسيوس، أن عجل لعلك تنظر إلى آية من آيات الله تعالى، جعلها الله آية على ملكك وجعلها آية للعالمين ليكون ذلك نورا وضياء وتصديقا بالبعث، فاعجل على فتية بعثهم الله وكان قد توفاهم منذ أكثر من ثلاثمائة سنة.

فلما أتى الملك الخبر قام من السدة التي كان عليها ورجع إليه عقله، وذهب عنه همه، ورجع إلى الله تعالى، وقال: أحمد الله رب العالمين رب السموات والأرض، وأعبدك وأسبح لك تطولت علي ورحمتني برحمتك، فلم تطفىء النور الذي كنت جعلته لآبائي وللعبد الصالح قسطيطوس الملك، فلما أنبىء به أهل المدينة ركبوا إليه وساروا معه حتى صعدوا نحو الكهف وأتوه، فلما رأوا الفتية تاودوسيوس، فرحوا به وخروا سجدا على وجوههم. وقام تاودوسيوس قدامهم، ثم اعتنقهم وبكى، وهم جلوس بين يديه على الأرض، يسبحون الله تعالى ويحمدونه، ثم قال الفتية لتاودوسيوس: نستودعك الله، ونقرأ عليك السلام، حفظك الله ومد ملكك، ونعيذك بالله من

<<  <  ج: ص:  >  >>