ولا بيان المناصب التي اعتلوها، أو الجوائز والنياشين التي حصلوا عليها- وهي لا تعبّر عن الحقيقة دائما، وخاصة في ظلّ أنظمة حزبية عنصرية ضيقة- فهذا كله يعدّ من قبيل الترجمة «الميتة»، التي لا تكاد تذكر بفائدة بمفردها، ولا تكون زادا ينهل القارئ من معارفه! إنما العبرة تكمن في سيرتهم ومحطات حياتهم، وبيان سلوكهم، وأسلوب تربيتهم، ومنهجهم في الحياة، وما قدموه من أعمال، وما تركوا من آثار، وأثاروا من أفكار، وأفصحوا عن رأي، وخلّفوا من تلاميذ .. فما كان فيه من خير وصلاح أخذ به وكان شهادة لصاحبه، وما كان من شر وفساد نبذ، وكانت أعماله شاهدة عليه. وهذا ما يقال فيه إنه ترجمة «حية»، وسيرة، لا مجرد تعداد مناصب وبيانات ..
ثم إنني كنت أجد إجحافا بترجمة بعض الأعلام، فلا تورد عنهم الدوريات والكتب إلا النّزر اليسير، وهم أعلام بحق، قد ملئوا الساحة بكتبهم وأفكارهم .. وآخرون لا يستحقون أن يسموا أعلاما أصلا، ولكن لا تكاد تجد دورية إلا وتذكرهم، على مدى أيام، وإحياء ذكراهم بعد أسابيع وأشهر وسنوات، ولا يخفى على القارئ أن مثل هذا كثير في الإعلام العربي، وخاصة في أحضان الفن الرخيص، والثقافة المصنوعة، والإعلامالمسلّط، والرأي المفروض على الناس، من خلال وسائل الإعلام الموجّهة، التي تتحكم فيها فئة معينة، تريهم ما لا يرغبون، وتمسك عنهم ما يرغبون! وهذا ما أدى بي إلى التوسع في تراجم من غمط من الأعلام حقّهم، ولا يقدر القارئ أو الباحث الوصول إلى مصادر ترجمتهم إلا بصعوبة بالغة ..
وللأسباب التي ذكرتها في التوسع في ترجمة بعض الأعلام، هو أحد الفروق الهامة بين منهجي ومنهج الزركلي في كتابه «الأعلام»، على أن الأخير ما كان بإمكانه أن يفعل ذلك، نظرا لطول الفترة التاريخية التي التزم بها في ترجمة الوفيات ..
وفرق آخر، هو أنني ضممت إلى هؤلاء الأعلام ما كنت أجده من تراجم أعلام المسلمين في بلدان العالم، من غير العرب، على خلاف كتاب «الأعلام» الذي اقتصر فيه على «العرب والمستعربين والمستشرقين». وكان في المقدور فرزهم وإصدار ترجماتهم في كتاب مستقل، لكنه رغبة وأمل واستشراف للمستقبل، أن نسطّر في كتبنا وحدتنا الإسلامية، وثقافتنا المتكاملة، وإيماننا الموحّد، وبأننا نشكل «وحدة» بين قلوبنا مهما فعل الأعداء ببلادنا، ومهما كرّسه الآخرون .. والتفاؤل خير وأمل.
وإذا كانت مأساة الحدود والانفصال واقعة بين العرب وبين إخوانهم المسلمين، فماذا يقال فيما هو كائن بين العرب والعرب؟ .
إنه الألم الذي كان يعصر قلبي كلما بينت اسم «دولة» المترجم له بحدودها الاستعمارية .. وما كاد هذا الألم يغادر قلبي في كل بيان أذكره في الترجمة .. وما كان القارئ ليستريح لو لم أبينها! .
على أن الذي خففت به على نفسي هو حذف اسم البلد من التركيبة الأولى- في السطر الأول من ترجمة كل علم- تمييزا له ببيان بلده، بل تركت القارئ يعرف ذلك من خلال مدينته أو قريته التي ولد بها أو عاش فيها.
ويبقى أمر ينبغي التنبيه إليه، وهو أن كثيرا من الدوريات عند ما تورد بيان وفيات أشخاص معينين لا تذكر التاريخ تحديدا، بل تبين أنه «توفي مؤخرا» وما شابه ذلك! وللقارئ أن يتصور متى كتب المندوب الخبر، ومتى وصل إلى المجلة، ومتى حرّر الخبر، وهل تأجّل نشره إلى عدد آخر لأنه وصل مؤخرا أم لا؟ وهذا يتأكد إذا كان في الشهر الثاني أو الثالث من السنة الجديدة، حيث لا يعرف بالتحديد سنة وفاته! وكذا تتم صعوبة تحديد السنة الهجرية بالنسبة للسنة الميلادية! فإن وجدت سنة الوفاة في مصادر أخرى أثبتّها وأشرت إلى الاختلاف، وإلا أثبتّ ما غلب على الظن، ووضعت إشارة استفهام في آخر السنة للإشارة إلى ذلك. أو وضعت «الشرطة» رمزا لعقد من الزمن، مثل (- ١٤٠ هـ) يعني أن وفاته بين ١٤٠٠ و ١٤٠٩ هـ.
وقد أثبتّ الاسم الثلاثي بالحرف الأسود لكل ترجمة، وما لم أعرفه بقي على الاسم والشهرة. وقد أغنى هذا الترتيب عن تكرير الاسم مرة أخرى في الترجمة، إلا ما لزم التنويه إليه لأمر ما.
وغالبا ما يكون اعتمادي على مصدر واحد في الترجمة إذا كان كافيا، مع الإشارة إلى مصادر أخرى للترجمة إن