حافظًا للرأي، معتنيًا بالآثار، جامعًا للسنن، متصرفًا في علم الإعراب، ومعاني الشعر: شاعرًا مطبوعًا. وشاور أحمد بن بقي، ثم استقضاه الناصر، ببجاية وطليطلة وجيان، وصرفه في غير أمانة، فاصطدم بما استكفى. وكان آخر ما ولاه: قضاء البيرة. وقلده مع القضاء، أمانة الكور والنظر على عمالها. فكانوا لا يقدمون ولا يؤخرون إلا عن أمره. ولا يظلم أحد في جانب الكور، إلا نصره، وقام معه. ثم نقله منها فولاه قضاء الجماعة بقرطبة، في ذي الحجة. سن ست وعشرين وثلاثماية. وأقر محمد بن أيمن على الصلاة، الى أن ضعف ابن أيمن. فاستعفاه، فأعفاه. وجمعهما لابن أبي عيسى، فتولاهما الى أن مات. قال ابن الحارث في كتاب القضاة: ولم يزل محمد بن عيسى في حداثة سنه، مشهورًا بفضل. ظاهر السؤدد. طالبًا للعلم. مجمعًا على تفضيله. ولقد جالسته غير ما مرة. فرأيته محمود التصرف، جميل المذهب، كريم الأخلاق. ثم ولي القضاء، فما رأينا ولا سمعنا أحدًا من عقلاء إخوانه، ومنصفي معارفه، يذمّ حاله ولا يشكو تغييره، ولا نبذه. بل يصفونه بغير ذلك بما هو أشبه بأهل الكمال والمروءة. وذكر أبو عبد الرؤوف في طبقاته، فقال: كان فقيهًا عالمًا نسيبًا من بيت فقه وعلم، وسنة ورواية. وكان
يتصرف في علم الأدب، تصرف اتفاق. وله رسوخ في أفانينه، من عربية ولغة وخبر، ومثل. وله لسان ذرب، وبيان. وكان محببًا في العامة، مقرّبًا لدى الخاصة ومن الخليفة، مؤتمنًا على أسراره، حتى لقد بوّأه، فراش كرامة، مع وزرائه مدنيًا لمكانه، من غير أن يوقع عليه اسم الوزارة. فكان يحضرهم ويمدهم برأيه، عند استدعائه، وكان ممن قال الشعر بطبع حسن،