يومًا، وقد شغل في تأليف كتاب الى الليل، فحضر الطعام، فاستأذنته، فقال لها: أنا مشغول الساعة. فلما طال عليها، جعلت تلقمه الطعام، حتى أتت عليه. وتمادى هو على ما هو فيه الى أن أذن لصلاة الصبح. فقال: شغلنا عنك الليلة يا أم قدام. هات ما عندك. فقالت قد والله يا سيدي ألقمته لك. فقال لها: ما شعرت بذلك. قال سليمان بن سالم: قال لي محمد بن سحنون: دخلت مسجد مدينة النبي ﷺ، فإذا بحلقة عظيمة، فيها شيخ متكئ، فجلست كما نزلت، بثياب السفر.
فوجدتهم يتنازعون في مسألة من أمهات الأولاد. فأدخلت عليهم فيها حرفًا، فنبههم الشيخ عليه، فاسترد جالسًا. ثم زدت حرفًا آخر. فقال لي أين بلدك؟ فقلت: أصلحك الله، رجل حاج. فقال أين بلدك؟ قلت إفريقية. فقال ينبغي أن تكون ابن سحنون، أو ابن أخي سحنون. فقام إلي الشيخ في جميعهم فسلموا عليّ، وعتبوني إذ لم أعلمهم بنفسي. فوَالله ما خرجت من المسجد إلا والشيخ يكتب المسألة، وأنا أمليها عليه.
[ذكر مذهبه في الإيمان]
كان محمد بن سحنون لا يستثني في مسألة الإيمان. وغالبَ ابن عبدوس وغيره. وكان يقول: أنا مؤمن عند الله. وكان ابن عبدوس وأصحابه، وأهل مصر والمشرق ينكرون ذلك عليه وعلى من يقوله. وينسبون قائله الى الأرجاء. وتكلم ذلك مرة رجل بمصر، في حلقة أبي الذكر الفقيه، فأنكروا عليه. فقال أبو الذكر: وعندنا فرقة بالمغرب يقال لها السحنونية تقول ذلك. وكان ابن سحنون يقول: المرء يعلم اعتقاده. فكيف يعلم أنه يعتقد الإيمان، ثم يشك فيه. وبقي بينه هو وأصحابه بعده، وبين أصحاب ابن عبدوس وغيرهم، في المسألة تنازع، ومجادلات، ومطالبات.