من العامة، قطع القراءة، حذرًا عليهم أن يسمعوا ما لا يفهمون، إلا أن يكون كتاب فقه. وكان أبو الحسن القابسي يقول: الجبنياني إمام يقتدى به. وكان أبو محمد بن أبي زيد، ﵀، يعظّم من شأنه. ويقول: طريق أبي إسحاق، خالية لا يسلكها أحد في الوقت. ويقول: لئن لم يكن أمر أَوَيْس القرني صحيحًا، فالجبنياني أويس هذه الأمة. ويقول: لو فاخرنا بنو إسرائيل بعبادها، لفاخرناهم بالجبنياني. ويقول: من محبتي فيه، وكثرة ذكري له، إني أراه في المنام. ولقد قوّى قلبي أنه يدعو لي. وأنه رأى جامع مختصر المدونة، الذي ألفته، فأعجبه. وكان أبو محمد التبّان يثني عليه، وكان مسرة بن سالم إذا ذكره، يبكي بكاء عظيمًا، ويقول: كان والله مقدّمًا علينا في صغره، وفي كبره. قال أحمد بن حبيب: قال أبو القاسم اللبيدي: وكان من أهل العلم، قال لي أبو إسحاق: أتدرسون في هذا الوقت العلم؟ قلت: نعم. قال فتجتمعون للمذاكرة؟ قلت: نعم. قال: لقد كنا نجتمع، ولقد لقينا المدونة في شهر، ونلقي الليل، فما علمت أننا نمنا ذلك الشهر، ثم قال وإنما نقوى على السهر بأكل اللحم. ثم قال لي: أي كتاب في أيديكم، تدرسونه؟ فقلت: العتق الأول. فألقي عليه من أوله، وسوّر المسائل، حتى كأن الكتاب في يده. قال: وكان ينزع بالقرآن والسنّة. وكان العلماء والفصحاء بين يديه، كالغلمان، بين يدي المعلم، من هيبته.
[ذكر زهده في الدنيا وسيرته في نفسه وولده وأهله]
قال أبو الحسن القابسي: لما رأيت هديه، وسمته في نفسه، وصلاته وحاله، رأيت شبيه السلف الصالح. وكان يقول: وقف أبو إسحاق على