للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كتاب المدارك والدافع على تأليفه]

كما كانت المالكية بالمغرب والاندلس السد المانع ضد النحل والزيغ، مع الاعتزال والخوارج والباطنية، والظاهرية والموحدين، ففي المشرق لم يكن نصيبها من الكفاح أقل: ففي حياة الامام ، كان الليث بن سعد زميلاً وصديقاً للامام مالك، جمع بين آراء أهل المدينة والعراق أو الكوفة على الاصح. وكانت مصر في عهده منطقة تغلب عليها آراء اهل المدينة. فما أن رجع الليث إلى مصر حتى أخذ يعلم ويفتي بما يخالف عمل أهل المدينة مجتهداً ومقتنعاً في ذلك بصحة رأيه، وما أن بلغ الخبر إلى مالك حتى أرسل يلومه على ذلك مبيناً له فضل المدينة وأنها بلد الوحي، بها أحل الحلال وحرم الحرام وأكثر اصحاب رسول الله إنما عاشوا وماتوا بها، وأن عمل المدينة هو عمل الرسول وأصحابه، ولا يجوز لأحد مخالفتهم فهم السابقون الاولون من مهاجرين وأنصار، وقول من خالفهم لا يعتد به ولو كان معتمداً على صحابي او عشرة من الصحابة، فأكثر هؤلاء الوارثين للسنة العاملين بها إنما عاشوا بالمدينة وعلموها لاهلها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من حياتهم، ولا قول لمن خالفهم في هذا. وكان رد الليث رداً رصيناً يدافع عن رأيه دفاع العلماء، مع مروءة وفضل ومجاملة. إلا أن مخالفته لعمل اهل المدينة قد فتحت باباً جديداً في الجدل حول هذا الموضوع (١) فما ان انتقل مالك الى جوار ربه، حتى سلت السيوف على آرائه، فكان السابق الى هذه المعارك محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، الذي أخذ الموطأ عن مالك بعدما تعلم على أبي حنيفة، وكان في أول رجوعه من المدينة معجباً بمالك (٢) ولكن بعد توليته القضاء للرشيد.


(١) انظر رسالة مالك الى الليث من هذا الجزء ورد الليث في اعلام الموقعين ج ٣ ص ٧٢٧.
(٢) انظر ابن حجر تعجيل المنفعة ج ٢ ص ٣٦١ ابن أبي الوفاء ج ٢ ص ٤٢ وما بعدها وكذلك الانتقاء لابن عبد البر ص ٢٦ في الرد على مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>