للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكلام على السمناني، ورجع الى الأندلس يروي، ودرس وألّف، وكان جليلًا رفيع القدر والخطر، وقد روى عنه الخطيب أبو بكر، وسألت عنه شيخنا قاضي قضاة الشرق أبا علي الصدفي الحافظ صاحبه فقال لي: هو أحد أئمة المسلمين لا يسأل عن مثله ما رأيت مثله، وكان القاضي أبو عبد الله بن شبرين يثني عليه كثيرًا، وكذلك كان شيخنا أبو إسحاق ابن جعفر الفقيه وقاضي القضاة أبو محمد بن منصور يربون به جدًا، ويفضلونه ويفضلون كتبه وذكره الإمام أبو بكر الطرطوشي فقال: ذكر أستاذنا أبو الوليد الباجي قال لي القاضي: لما ورد علينا بغداد أبو القاسم ابن القاضي أبي الوليد سرت معه الى شيخنا قاضي القضاة أبي بكر الشاشي وكان ممن صحبه أبو الوليد قديمًا ببغداد وعلّق عنه فلما دخلنا عليه قلت له: أعزك الله هذا ابن شيخ الأندلس فقال: لعله ابن الباجي. فقلت نعم، فأقبل عليه.

[ذكر جمل من أخباره ]

وكان في رحلته وأول وروده الأندلس مقلًا من دنياه حتى احتاج في سفره الى القصد بشعره، واستأجر نفسه مدة مقامه ببغداد فيما سمعته مستفيضًا لحراسة درب، فكان يستعين بإجارته على نفقته، وبضوئه على مطالعته. ثم ورد الأندلس، وحاله ضيّقة فكان يتولى ضرب ورق الذهب للغزل والأنزال ويعقد الوثائق، فلقد

حدثني ثقة من أصحابه - والخبر في ذلك مشهور - أنه كان حينئذ يخرج إلينا إذا جئنا للقراءة عليه وفي يديه أثر المطرقة وصدأ العمل، الى أن فشا علمه وعرف وشهرت تواليفه، فعرف حقه وجاءته الدنيا وعظم جاهه وقرّبه الرؤساء وقدّروه قدره، واستعملوه في الأمانات والقضاء وأجزلوا صلاته. فاتسعت حاله وتوفر كسبه حتى مات عن مال وافر خطير

<<  <  ج: ص:  >  >>