السائح في مساجد الصحراء يقول: يا رب عبدك سليمان جائع، لم يأكل منذ ثلاث ليال. فلما فرغ سمعته يمضغ فكرهت أن أدخل عليه فأحشمه، وكان للمسجد بابان فخرج من القبلي ودخلنا من آخر. فإذا بأنواء تمر وتمرة منتبذة فأكلتها، فأقمت معصوبًا عشرة أيام لا آكل ولا أشرب. قال سحنون: اجتاز أشهب بابن القاسم يومًا وعلى أشهب ثياب تتقعقع، وتحته بغلة هملاج، فقال ابن القاسم: وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون. ثم سكت ساعة وقال بلى: يا رب نصبر ونصبر. وقد نمت هذه الحكاية وهذا الكلام للمزني، وقد
مرّ به بنو عبد الحكم في موكبهم بمصر أيضًا والله أعلم. وذكر أن رجلًا من أهل العراق لقي أشهب فقال له العراقي: أنتم تحلون إتيان النساء في أدبارهن، فقال أشهب: أنتم تحرمونه ولكن تعال أحلف لي ما فعلته، واحلف لي أنت بمثله، فلم يفعل العراقي.
وذكر أن أشهب بينما هو في أصحابه إذ سمع إنسانًا ينذر بلص، فقام وأخذ سلاحه وخرج يتبعه، فقيل له في ذلك أن مثلك لا يليق به هذا؟ فقال: ما كنت لأتخلَّق بغير ما حبلني الله عليه.
[ذكر مولده ووفاته]
قال ابن عبد البر وأبو عمر المقريء: ولد أشهب سنة أربعين ومائة. وحكاه ابن حزم الصدفي عن أبي الطاهر، وحكى الشيرازي أنه ولد سنة خمسين ومائة، وتوفي بمصر سنة أربع ومائتين في رجب، وقيل لثالث وعشرين ليلة خلت من شعبان. قال الشيرازي: بعد الشافعي بشهر. وقال