للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ابتداء طلبه وحفظه]

قال الشافعي: كنت وأنا في المكتب اسمع المعلم يلقن الصبي فأحفظ ما يقول، ولم يكن عند أبي ما يعطي وكنت يتيمًا، فكان المعلم يرضى مني بأن أخلفه إذا قام، ولقد كانوا يكتبون. وقبل أن يفرغ المعلم من الإملاء حفظت جميع ما كتبت. وفي رواية فقال لي ذات يوم ما يحل لي أن آخذ منه. ثم لما خرجت من المكتب كنت التقط الخزف وعزب النخل وأكتاف الجمال، فأكتب فيها الحديث، وأجيء إلى الدواوين فأستوهب الظهور، وأكتب فيها، حتى ملأت جبابًا كانت لأبي في ذلك.

فسمع إذ ذاك بمكة من عمه ومسلم بن خالد الزنجي وغيرهم من المكيين، ثم قال خرجت من المكتب فقدمت هذيلًا أتعلم كلامها، وكانت أفصح العرب، فبقيت فيهم سبعة عشر عامًا، راحلًا برحلتهم ونازلًا بنزولهم. فلما رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار وأذكر الآداب والأخبار، وأيام العرب، فمر بي رجل من الزبيريين فقال لي: يا أبا عبد الله، عزّ عليّ أن يكون مع هذه الفصاحة والذكاء فقع، فتكون قد سدت أهل زمانك. فقلت: من بقي يقصد. فقال لي: هذا مالك سيد المسلمين يومئذ. فوقع في قلبي، وعمدت إلى الموطأ فاستعرضته وحفظته في تسع ليال، ثم دخلت إلى والي مكة فأخذت كتابه إلى مالك وكتابه إلى والي المدينة، وقلت له: تبعثه إلى مالك يأتيك فتوصيه بي.

فقال: يا ليتني إذا ركبت إليه مع حشمي معك، حتى نأتي بابه ونجلس عليه، حتى تضرب وجوهنا الريح بتراب العقيق أذن لنا؟ فلما صلينا ركب معي إليه، وصرت معه حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>