للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر بداية أبي إسحاق ]

كان أبوه - وهو في حاله - قد أخذ له معلمين، أحدهما للقرآن، والآخر للعربية والشعر، وهو في رفاهة من العيش. قال أبو القاسم: فلقد حدثني من رأى أبا إسحاق في تلك الأيام، وحوله خمسة عشر صقلبيًا موكلين بحفظه. وكان والده ينزل بقرية جبنيانة. وكانت من جملة أملاكهم. فيقيم بها الشهور، أكثر أيام النزهة، ومعه ابنه أبو إسحاق، يوجهه الى شيخ معلم بجبنيانة، يقال له ابن عاصم، يقيم عنده، ويتبرّك به، ويتعلم منه، ويختلف إليه بكرة وعشيًا. وكان ابن عاصم، قد شهر بالعبادة، وإجابة الدعاء. وكانوا يتبرّكون بدعائه، قد نفع الله به خلقًا كثيرًا، فكان يفعل هذا في كل سنة، الى أن بلغ أبو إسحاق الحلم، فدخل قلبه من الخير، ومما يسمع من ابن عاصم، ويرى من فضله، ما أزعجه عما كان فيه، فانخلع من الدنيا ولبس عباءة وهرب. فطلب فلم يوجد. وكان يستأجر نفسه، بما يرد عليها، يقيم به رمقه. قال: ولقد بقي في تلك الحال يومين. يطعم ولم يجد من يستأجره. فإذا برجل يقول: من يحمل هذا المجذوم الى موضع كذا، بثمن درهم. فحمله وأخذ الثمن فاقتات به. ووفق مع زهده الى طلب العلم. فكان لا يسمع في تصرفاته وسياحته، بعالم، إلا أتاه وسمع منه وكتب عنه. ولا برجل صالح، إلا قصده وانتفع به. وأبوه في هذا كله، بعد مع بني الأغلب في حاله. فلقد ذكر أن أبا إسحاق ، وجد يعجن طينًا بمدينة سوسة، بأجرة. فقيل له: إن أباك كثير الاجتهاد في طلبك. فقال: قولوا له. أكنت تظن أنه يخرج من ظهرك، من يطلب

الحلال؟ وحجّ سنة أربع عشرة وثلاثماية.

<<  <  ج: ص:  >  >>