انصرف الشافعي من اليمن إلى مكة ومعه عشرة آلاف دينار، فضرب خباء خارج مكة وجاء الناس فما برح حتى فرقها كلها. . . . فلما دخل مكة استسلف ما أنفق. قال الربيع: ما أراه أتى عليه يوم إلا تصدق فيه. وكان في شهر رمضان كثير الصدقة بالثياب والدراهم، ويعطيهم الفقراء. وأصلح رجل زره، فأعطاه ديناراً واعتذر اليه، وناوله آخر سوطه فأعطاه صرة دنانير وقال: لم يحضرني غيرها. وقال الربيع: قد سمعنا بالأسخياء، وقد كان قوم عندنا بمصر منهم، رأيناهم. فأما مثل الشافعي فما رأيناه ولا سمعنا أحداً في زمانه كان مثله. وكان إذا سأله انسان يحمر وجهه حياء في المسائل. ودخل مرة الحمام، فأعطى صاحبه مالاً كثيراً، وسقط سوطه فناوله إنسان فأعطاه خمسين ديناراً. وأنشد الشافعي عند خروجه إلى مصر:
أخي أرى نفسي تتوق الى مصر … ومن دونها ارض المفاوز والفقر
فوالله ما أدري أللحفظ والغنى … أساق اليها أم أساق الى قبر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: سيق اليهما معاً، ﵀. قال سعيد ابن عبد الله بن عبد الحكم: لما قدم الشافعي مصر قدم علينا على خلة شديدة فمضى أخي محمد إلى بعض من بالبلد من المياسير، فقال له: قد قدم علينا من أصحابنا ومن أهل قربتنا من قريش على خلة فتأمر لنا بما تغير به حاله. فأمر له بخمسمائة دينار، فلما كان المساء اجتمعنا عند أبي. فقال ما كان ينفعني أن يرضى بمثل هذا من فلان. فقال له أخي: فأعنا عليه. فأتمها ألفا (١)