أعضل جوابها بكل من لقيته من علماء القيروان. فأجابني أبو القاسم فيها ارتجالًا، على ما كان عليه من شغل البال بالسفر، وقد وقفت على جوابه في جزء منطوٍ على أحد وأربعين فرقًا. وكان قويًا في المناظرة، حتى علا العرق أبا عمران، وبلّ قميصه ورداءه، وصار كمن غمس في ماء. وبينهما في ذلك خلاف ونزاع ومراجعة، في مسائل مشهورة، نقلت عنهما. ولأبي القاسم كتاب كبير في الفقه، نحو ماية وخمسين جزءًا.
[أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الحضرمي]
المعروف باللبيدي. ولبيدة من قرى الساحل، من مشاهير علماء إفريقية. ومؤلفيها وآخر طبقته موتًا. تفقه بأبي محمد ابن أبي زيد ﵀، وأبي الحسن القابسي، وسمع منهما ومن غيرهما من شيوخ إفريقية، وعباد أهل الرّباط، كأبي الحسن اللواتي، وأبي إسحاق الساحلي، وأبي عبد الله بن مالك الطرشي، وصحب الشيخ الفاضل أبا إسحاق الجبنياني، وانتفع به. روى عنه أبو عبد الله بن سعدون وغيره من القرويين والأندلسيين، ووجهه أبو الحسن القابسي لتفقيه أهل المهدية، وامتدّ
عمره بعد اقترانه، فجاز رئاسة العلم، والتشييخ فيه بالقيروان. وألّف كتابًا جامعًا في المذهب كبيرًا. أزيد من مائتي جزء كبار، في مسائل المدونة وبسطها والتفريع عليها. وزيادات الأمهات، ونوادر الرايات. وألف أخبار مشيخة أبي إسحاق الجبنياني، وفضائله. وكتابًا في اختصار المدونة، سماه الملخص، وكان أيضًا ينظم الشعر، ويحسن القول. فمما أنشده لنفسه قوله: