للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صليبًا فهمًا بعيدًا من المداراة، حاد بالناس إجلاله عن مذاكرته، فلاذوا من مناظرته، بالتسليم والموافقة. وتحاموا السؤال منه وكان أكبر ما فيه عقله ورأيه.

[ولايته القضاء وخبره فيها مع العامرية وسيرته]

قد قدمنا أن الذي ولاه القضاء، المنصور ابن أبي عامر. وكان من جملة أصحابه

وخواصه، ومحله منه فوق محل الوزراء يفاوضه في تدبير الملك وسائر شؤونه. لم يتخلف عنه في غزوة من غزواته، ولا فارقه في ظغن ولا إقامة. وكذلك كان حاله مع ولديه المظفر والمأمون بعده. قد تيمنوا برأيه وعرفوا النجاح في مشورته. وكان له داخل القصر بيت خاص به يأتيه آخر النهار. فيجلس فيه الى أن يخرج إليه ابن أبي عامر فيفاوضه في جميع ما يحتاج إليه. وربما بات عنده بالنزاهة وخفة الوطأة، حتى قيل إنه ما سأله قط على مكانته منه، حاجة لنفسه ولا لغيره بتصريح، مع كثرة ما انقضت على يديه من حوائج الناس. بل كان يعرض ما يحتاج إليه عرضًا كالمنكر أو المستحسن، يطّرد للبحث عنها. وكانت الصلاة والخطبة أيامه لابراهيم بن الشرفي الحاكم، الى أن فلج، فجمعت مع القضاء لابن ذكوان. ولم يزل على هذا الى أن هلك المنصور، وولي ابنه المظفر فزاده أثرة. الى أن فسد ما بين القاضي، وبين وزير الدولة، عيسى بن سعيد، بسبب فسخ شراء ضيعة اشتراها عيسى من ولد ابن السليم السفيه، فقضى ابن ذكوان بردها الى السفيه. وفسخ بيعه فالتحمت بينهما العداوة، وعمل عيسى في طلب ابن ذكوان وجوه الحيلة، الى أن أوقع المظفر بخادمه

<<  <  ج: ص:  >  >>