جلساؤه في ذلك، وقالوا له: مثل رباح يضحك عليه؟ فقال لهم ابن غانم: امسكوا عني، إنما غمني أن العدو لما علم ما نحن فيه من الخير، أراد أن يقطعه بما رأيتم أو نحوه. فلما كان الجمعة جاء رباح فأخذ في الدعاء وهجم على ابن غانم من الرقة والخشوع أكثر ما كان منه، فلما قضى دعاءه قال ابن غانم جزاك الله خيرًا يا أبا يزيد. فقال له رباح قد علمت أن الذي كان منك إنما حركك عليه العدو ليقطع ما نحن فيه من الخير. ومر يومًا بالسوق والبهلول بن راشد يشتري لحمًا من جزار فنزل ابن غانم عن دابته وعانقه وقرب إليه دابته تعظيمًا له، فامتنع البهلول فأقسم عليه ابن غانم، فقال له أني اشتريت لحمًا قال احمله لك. فقال البهلول أني أجلك أن تمشي راجلًا فقال اركب خلفك. فركب البهلول على السرج وركب القاضي خلفه على كفل الدابة وقد حمل اللحم فشقا السماط حتى وصلا إلى دار البهلول فعجب الناس من تواضعه وشرفه.
[بقية أخباره وكرمه وحلمه]
قال ابن البصري: ذكر أن ابنًا لابن غانم جاءه من عند معلمه، فسأله عن سورته
فقرأ عليه فأحسن، فدفع إليه عشرين دينارًا أو نحوها. فلما جاء بها الصبي إلى المعلم أنكرها وظن بالصبي ظنًا. فجاء بها إلى ابن غانم، فقال ابن غانم: لعلك استقللتها؟ قال لا. فقال له حرف واحد مما علمته يعدل الدنيا وما فيها. وذكر أن رجلًا يقال له ابن زرعة كان ابن غانم قد حكم عليه، فبلغ ذلك من ابن زرعة كل مبلغ، فلقي ابن غانم في طريق ضيقة فسبه وقال له: يا فاعل يا ابن الفاعلة،، وبالغ. فلما كان بعد ذلك لقيه في طريق ضيقة، فسلم عليه ابن غانم وحمله معه إلى منزله فأحضر