زاهدًا نظارًا، جيد الفقه، قوي العارضة، محققًا. وله تعليق على المدونة. أكمل بها الكتب التي بقيت على التونسي. وبه تفقه أبو عبد الله المازري، المهدوي، وأبو علي ابن البربري، وأبو الحسن الحوفي، وأخذ عنه من أهل الأندلس: أبو بكر بن عطية. وأصحابه يفضلونه على أبي الحسن اللخمي، قرينه، تفضيلًا كثيرًا.
[جمل من أخباره ﵀]
لما أراد تميم بن المعز صاحب المهدية، تولية أبي الفضل بن شغلان، قضاءها. شرط ابن شغلان ألا يتقلد ذلك إلا باستجلاب عبد الحميد الى المهدية، ليقوم بفتواها، إذ لا يرى استفتاء أحد من فقهائها، لأمور يتهمها عليهم. فحلف له، فلزم المهدية. ودارت عليه فتواها، فلما شغبت سوسة على تميم، قبض على جماعة، فيهم ولد عبد الحميد، فضربه وأغرمه ستماية دينار. فباع فيها عبد الحميد كتبه. وكان سبب انقباض عبد الحميد عن الفتيا، فلقيه بعد ذلك تميم واعتذر له، فلم ينفعه ولزم الانقباض، والتزام داره، وأظهر التجانز، ولم ينتفع به في شيء، وجعل لا يجالس أحدًا، وتحيّل في الخروج الى سوسة، لعلة المعاناة بحسن هوائها.
فبقي على حالته تلك ستة أعوام الى أن دخل الإفرنج المهدية، واستباحوا أهلها. ودخل جلّ قصر صاحبها، وذلك سنة ثمانين، فانكسر بعد ذلك تميم، وقلّ حزبه. وهان على الناس، وداراهم. فظهر عبد الحميد وراجع حالته الأولى. وأفتى ودرّس وانتفع به، الى أن مات. حكى أن الفقيه أبا علي حسان المهدوي، قال: رحلت الى سوسة، الى عبد الحميد للأخذ عنه، فلما لقيته رحب بي،