وكان يصحب الرؤساء ويرسل بينهم ويقبل جوائزهم، وهم على غاية ابرّ، فكثر القائل فيه من أجل هذا، وليَ قضاء مواضع من الأندلس تصغر عن قدره، كأريولة وشبهها، وكان يبعث إليها خلفاءه وربما قصدها المرة بنفسه ووجد عند وروده بالأندلس لابن حزم الداودي، صيتًا عاليًا وظاهريات منكرة، وكان لكلامه طلاوة، وقد أخذت قلوب الناس، وله تصرف في فنون تقصر عنها ألسنة فقهاء الأندلس في ذلك الوقت، لقلة استعمالهم النظر وعدم تحققهم به، فلم يكن يقوم أحد بمناظرته، فعلا بذلك شأنه، وسلموا الكلام له، على اعترافهم بتخليطه، فحادوا عن مكالمته. فلما ورد ابن الوليد الأندلس وعنده م الإتقان والتحقيق والعرفة بطرق الجدل والمناظرة ما حصله في رحلته، أمله الناس لذلك، فجرت له معه مجالس كانت سبب فضيحة ابن حزم وخروجه من ميورقة، وقد كان رأس أهلها، ثم لم يزل أمره في سفال، فيما بعد. وقد ذكر أبو الوليد في كتاب الفرق من تأليفه من مجالسته تلك ما يكتفي به من وقف عليه، ولما ألّف أبو الوليد رسالته المسماة بتحقيق المذهب من أن النبي ﷺ كتب وكان أصل ذلك أنه قرئ عليه بدانية في كتاب البخاري، حديث المقاضاة فمرّ في حديث إسرائيل فتكلم أبو الوليد على الحديث وذكر قول من قال بظاهر هذا اللفظ فأنكره عليه ابن الصائغ وكفّره بإجازته الكتابة على النبي الأمي، وأن هذا تكذيب للقرآن وأعلى ما حمل من أشياعه في الإنكار والشناعة، وقبّحوا عند العامة ما أتى به وأكثر القالة فيه من لم يفهم غرضه، حتى أطلق عليه اللعنة غلاتهم وضمنوا
البراءة منها، أشعارهم، وحتى قام بذلك بعض خطبائهم في الجمع وفي ذلك يقول عبد الله بن هند الشاعر:
برئت ممن شرى دنيا بآخرة … وقال إن رسول الله قد كتبا