للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقيل له:

إنه لفلان - وسُمّي له رجل عظيم - فلم يثنه ذلك عن كسره. قال: وكان يذهب أحسن المذاهب. بسط الحق، وأحيى العدل، ونصر المظلوم، وقمع المظالم. ولم يطمع شريف في حيفه. ولا يئس وضيع من عدله. ولم يكن الضعفاء قط أقوى قلوبًا، ولا السنة، منهم في أيامه. مع لطافة بره، وكثرة بشره، ولم تغيره خطته عن حاله، حتى لقد أعرق في ابغاء الأجر بجانبه الكبير، بأن كان يحضر مسجد الجامع، عقب شعبان من كل عام، مع السدنة والقوام لخدمته، من كنسه، وصقل مصالحه. تنويهًا لمدخل الشهر. فيشاركهم في ذلك مشمّرًا عن ساعديه. وذكر الحسن بن مفرج: أن رجلًا من أصحاب ابن أبي عيسى أتاه في الليل، فذكر له أن فقيهين مشهورين يصحبانه - في قصة سمّاها - بشهادة مدخولة. نصح له فيها وحذّره من قبولها. فلما جلس من الغد، أتاه أحدهما، فأعرض القاضي، وتبسّم في وجهه، لعله يقوم فيكفى شأنه، فتمادى، فلما رأى عزمه على التصميم في الشهادة، تناول القاضي سحاءةً بين يديه. فكتب فيها من حيث لم يره الآخر، ثم طواها وألقاها في حجره. فلما تصفحها الآخر إذا فيها مكتوب:

أتتني عنك أخبار … لها في القلب آثار

فدع ما قد أتيت له … ففيه العار والنار

فلم يكد يقرأها حتى قام منطلقًا. ولقي صاحبه، فقال له: النجاة. فقد شعر بنا. وقال القاسم بن محمد، كاتبه أيام قضائه بالبيرة: ركبنا مع القاضي، في موكب حافل، من وجوه البلد، إذ عرض لنا فتى، يتمايل

<<  <  ج: ص:  >  >>