للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم. ومن يرد عليه من الغرباء يعطيهم الدراهم، ويكسوهم. وكان لا يخلي جيبه من كيس، فيه مال. فكل من يرد عليه من الفقراء يغرف له غرفة بلا وزن. ولقد سألته عن سبب عيشه، أولًا. فقال: كان رؤساء بغداد، لا يموت أحد منهم إلا وصّى لي من ماله. ولو كنت ممن يريد الجمع، لكان معي فوق الثلاثين ألف مثقال. وكان يومًا جالسًا إذ جاء القاضي أبو إسحاق المروزي. فلما دخل عليه تبسّم في وجهه. ثم قال: يا بغيض، ما أكثر انقباضك عن أصدقائك وإخوانك، ما تزور أحدًا منهم، ولا تعرف خبرهم. قد مات صديقك فلان المالكي، وأوصى لك بثلاثماية دينار، وأسند النظر في وصيته إليّ، وهذه قد حضرت. وأتيتك فأقبلها وأصرفها في مصالحك، فجزاه الأبهري خيرًا. وقال له: أنا في غنى عنها الآن، ورغب إليه في تصريفها ممن يستحفظها ليقع أجر موصيها على الله. فقال له القاضي: ما أكثرك محلل، وإني بك عن هذا. فقال له: إخواني كثيرًا ما يعتقدوني، وعرض عليه ثلاثة أكياس في أحدهما قطع، وفي الآخر دراهم صحاح، وفي الثالث رباعيات، ومثاقل ذهب، وأراه ما فيها، وقال: أنا أبيّن لك أني لم أقل هذا مجملًا. وإذا أنا مت ووجد هذا عندي، فأي منزلة تكون لي؟

ورغب الى القاضي في تفريقها على أهل الحاجة. فبكى القاضي، وقال: جزاك الله عن نفسك خيرًا. وكان الأبهري أحد أئمة أهل القرآن، والمتصدرين لذلك، العارفين بوجوه القرآن، وتحرير التلاوة. وقد ذكره أبو عمر الداني في طبقات المقرئين، وتفقه على أبي بكر الأبهري عدد كثير، وخرج له جملة الأئمة بأقطار الأرض من العراق وخراسان، والحجاز ومصر، وإفريقية. كأبي جعفر الأبهري، وأبي سعيد القزويني، وأبي القاسم الجلاب، وأبي الحسن بن القصار،

<<  <  ج: ص:  >  >>