للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معلم الفقهاء. لم يكن في وقته أحفظ منه، اختلط علم الحلال والحرام بلحمه ودمه، وما اختلف الناس فيه واتفقوا عليه. عالمًا بنوازل الأحكام، حافظًا بارعًا فرّاجًا للكرب، مع تواضع ورقة قلب، وسرعة دمعة وخالص نية. سأل عبد الله صاحب القيروان أبا محمد بن أبي زيد، ، من أحفظ أصحابكم؟ فقال له: أبو سعيد. قال: فمن أحفظهم بخلاف الناس؟ قال: أبو سعيد. وذكر مرة حفظه وقوة نفسه فقال: لو شاء أن يخطي دحمان بن معافى، فعل. وقال أبو القاسم بن شبلون: ما أخذ على أبي سعيد مسألة خطأ قط. قال أبو محمد الأجدابي: كان أبو سعيد من أجلّ أهل زمانه، يعرف طريق الصوفية. قالوا وكان أبو سعيد إذا قال: أجمعت الأمة. لم يوجد خلاف لقوله. ولما لفّ في أكفانه، قال أبو محمد بن أبي زيد: ، إن أبا سعيد ليس يلقى الله بمثل ذرة من رياء. ولما ورد درّاس بن اسماعيل، أبو ميمونة، القيروان، وعجب الناس من حفظه، بلغ أبا سعيد تقصيره بعلماء القيروان، وأضافته قلة الحفظ إليهم. فقال لأصحابه: اعملوا على أن تجمعوا بيني وبينه لئلا يقول دخلت القيروان ولم أرَ بها عالمًا. فما زالوا به، حتى أتوا به الى أبي سعيد في مسجده. فسلم عليه. فألقى أبو ميمونة عليه نحوًا من أربعين مسألة، من المستخرجة، والواضحة. فأجابه عنها أبو سعيد. ثم ألقى عليه أبو سعيد عشر مسائل من ديوان محمد بن سحنون، فأخطأ فيها، أبو ميمونة كلها، فعطف عليه أبو سعيد وقال له: لا تغفل عن الدراسة، فإني أرى لك فَهمًا.

فإن واظبت، كنت شيئًا. فلما قام أبو ميمونة يخرج، لم يعرف الباب من الحيرة. وناظره بعض العراقيين، فقال لهم: أنتم تقولون من سبّ عائشة قتل. والله يقول: والذين يرمون المحصَنات ثم لم يأتوا بأربعة شُهداء الآية. والرسول إنما جلد أصحاب عائشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>