دابة. فأخذت عودًا من الطريق أضربها به. فقال لي، أهو لك؟ قلت: لا. قال: القه. قلت: إنه عود ملقى. فقال: كان أصحابنا يزعون عن أخذ الحجر من أرضهم، قلت له: إن مالكًا سئل عن الحبل والعصا؟ وما لا بال له؟ فقال: صدقت ولم يقل مالك: أخذه خير من تركه. وأقل ما يُتّقى من ذلك، أنها تصير عادة، هو أكثر من ذلك. وقال بعض أصحابه: رأيت في المنام رجلًا مشهورًا بالفسوق، يرجم بحجارة من السماء. فذكرت ذلك لأبي إسحاق. فأقبل عليّ، وهو مذعور. فقال: سألتك بالله أنا هو؟ يكررها عليّ، حتى حلفت له بالله، أنه إنما هو إلا فلان. فقال: والله ما أعلم أحدًا أحقّ بذلك مني. قال أبو القاسم: وكان أبو إسحاق ظاهر الحزن، كثير الدمعة، يسرد الصيام. قال ابنه أبو الطاهر: إنه ما رآه مفطرًا قطّ. قال، وقال لي أبي: إن إنسانًا أقام في آية سنة، لم يتجاوزها، وهي قوله تعالى: وقفوهُم إنهم مسؤولون. فقلت له: أنت هو؟ فسكت. فعلمت أنه هو. وكان إذا دخل في الصلاة، لو سقط البيت الذي هو فيه، ما التفت. إقبالًا على صلاته. واشتغالًا بمناجاة ربه. ولقد جمع أولاده يومًا، لزيارة أمهم، وجاءوا بلحم، فطبخته لهم في ركن البيت، وتعشّوا، والشيخ في الركن الآخر يصلي، فبعد مدة قال لأمهم: ما لكم لم تعملوا عشاءً - لشدة إقباله على صلاته. وحكى بعضهم: إنه جاء يومًا فسلم عليه، وقبّل في عنقه. قال: فردّ يده، وصفع
نفسه. فبكيت بكاء عظيمًا. فقال لي: ما يبكيك؟ قلت لأن هذا كان بسببي. فقال: عنقي بالصفع أولى منه بالقبلة. وقيل له: لمَ اخترت جبنيانة على غيرها؟ قال: أردت أن يجعل الله ذكري فيها. لأني رأيتها من أقل القرى ذكرًا. قال أبو القاسم: ولقد رأيته يومًا وعظ، فبكى وأبكى، حتى اتصل البكاء بخارج الدار. فصارت كأنها مناحة. فلما رأى