للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو إسحاق: جاء في الحديث: احثوا التراب في وجوه المدّاحين، وجاء في الحديث: إذا مدح الفاسق غضب الله ﷿. ولا سبيل الى التخلف عما أمر به النبي . فحثا بيده في وجه الشيخ الضعيف العقل، ثلاث حثيات، فامتلأت لحية الحاكم وصاحبه. وانصرفا. وكان في أصحاب أبي إسحاق، رجل مؤدب يزوره كل جمعة. فسرقت دابته، فطلبها فلم يجدها. قال: فأتيت أبا إسحاق وأنا أبكي، فعرّفته. فقال: يا ضعيف العقل، على دابة تبكي. فقلت: والله ما بكيت إلا لوجهين، أحدهما انقطاعي عن زيارتك، والآخر جهادي بها عن بنيات لي. فدعا لي دعاء كثيرًا، ونحن نؤمّن على دعائه، ونبكي. وذلك نصف النهار، فانصرفت.

فلما كان بعد ذلك بليلتين أو ثلاث، قرع على الباب. وقيل لي: أخرج خذ دابتك، فخرجت، فإذا بدابتي مع ثلاثة رجال. فسألوني أن أجعلهم في حلّ، وقالوا: ما قصدنا دارك ولكن غلطنا. فقلت لهم: لابد لكم أن تخبروني بقصّتكم، فقالوا: ذهبنا بدابتك فنحن في الضحى، نصف النهار، إذ بصوت يقول: الى أين تذهبون، يا فسقة بداية الجبنياني؟ فنظرنا فلم نرَ شيئًا. ثم مشينا، فسمعنا بالصوت ثانية، فألقي في قلوبنا الرعب. فرجعنا حتى أتينا الليلة دار الجبنياني، فقرعنا عليه الباب، فقلنا له: خذ حمارتك واستغفر لنا، فقد فعلنا فيك ما لا يحل. فقال: أنتم يا مساكين، ابتليتم بهذه الدابة؟ قلنا: نعم، وأخبرناه. فقال: أنتم على طهارة؟ قلنا: لا. فأخرج لنا قلة وقدحًا وحبلًا. فاستقينا من بئر، واغتسلنا، ثم أتيناه فصلّينا وراءه ركعتين. وسأل الله لنا في التوبة. ثم قال: وصّلوا الدابة الى صاحبها. فجئناك بها. وكان أبو إسحاق، قلما يتغير على أحد فيفلح. قال لإنسان لاحه في شيء أنكره على آخر، لجهره في صلاة نافلة النهار. وقال له: يا هذا إن مالكًا، استحب فيها الإسرار.

<<  <  ج: ص:  >  >>