أخرج فأذن، فإذا به جاهل، فتغيّر لقوله، وقال: ألم ترَ في المجلس أنحس مني؟ فتبسم القاضي واستغفر الله، وخرج، وأذن، فرجع وصلى
بالناس. ثم قال للرجل: قد وجدت أنحس منك، فلا تعد الى مثل قولك، ولكن قل لا أحسن، تاب الله علينا وعليك. حكى القاضي يونس بن معتب: أن القاضي ابن السليم، خرج يومًا فأصابه مطرٌ اضطره الى أن دخل بدابته، في أسطوان دار رجل يعرف بالنسائي من أهل المشرق، وساكنًا بقرطبة. فوافقه فيه، ورحب به، وسأله النزول عنده. فنزل وأدخله وتفاوض، ثم قال له: عندي جارية مدينية لم يسمع بأطيب من صوتها. فإن أذنتَ أسمعتك عشرًا من كتاب الله، وأبياتًا. فقال: نعم، فأمرها فقرأت، ثم أنشدت. فاستحسن ذلك ابن السليم وأخرج دنانير كانت في كمه، فجعلها تحت الفرش الذي كان عليه من حيث لم يره. فلما ارتفع المطر ركب وودعه وقال: تركت شيئًا، هو للجارية، وأقسم لسيدها ليفعلن. وكانت عشرين مثقالًا. قال القاضي ابن مفرج: لما قدّم المستنصرُ ابنَ السليم قاضيه الى الصلاة والخطبة، وكان ذلك ليلة الفطر، كتب الى جماعة من ثقاة إخوانه، يسألهم أن يصبحوا له، فأتيناه. فقال: أريد أن تحفوا بي وتشهدوا خطبتي، لتصدقوني على نفسي. وما يتعقب عليّ، ففعلنا. وخطب وأبلغ إلا أنه أهذر، وأكثر الإهذار. فلما انصرفنا سألنا، فقال أحمد بن نصر صاحب الشرطة والسوق: يا سبحان الله، سألكم. فقولوا الحق. فقلنا له: قل أنت يا أبا عمر. قال: قعدنا ننظر خطيبًا يهدهد يرفع رأسه ويضعه لكل كلمة. وليس هذا من سمت الخطباء، فأقصر عنه ورتل كلامك وزن جسمك. فشكره القاضي. وتفقد نفسه، فلحق بالخطباء المتقدمين.