للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونفسي، وذهب عند المسلمين جاهي. فقال للترجمان: قل له قد قبلنا عذرك، ورفعنا منزلتك، وليس محلك عندنا محل سائر الرسل، وإنما محلك عندنا محل الأبرار الأخيار، وقد أخبرنا صاحبكم في كتبه: إنك لسان المسلمين والمناظر عنهم، وأنا أشتهي أن أعرف ذلك وأسمعه منك، كما ذكروه عنك. قلت: إذا أذن الملك، فقال: أنزلوا حيث أعددت لكم، ويكون بعد هذا الاجتمال. قال القاضي: فنهضنا الى موضع أُعدّ لنا، وذكر أبو بكر البغدادي

الحافظ: أن القاضي، لما وصل الى مدينة الطاغية، وعرّف به وبمحله من العلم، أفكر الطاغية في أمره، وعلم أنه لا يكفر له إذا دخل عليه - كما جرى رسم الرعية أن يقبل الأرض بين يدي ملوكها - فرأى أن يضع سريره، وراء باب لطيف، لا يمكن أن يدخل أحد منه إلا راكعًا، ليدخل القاضي من ذلك الباب. فلما رآه القاضي، تفكّر وأدار رأسه، وحنى رأسه راكعًا، ودخل من الباب يمشي مستقبلًا الملك بدبره، حتى صار بين يديه. ثم رفع رأسه، ونصب ظهره. ثم أدار وجهه الى الملك حينئذ، فعجب من فطنته، ووقعت له الهيبة في قلبه. قال غيره: قال القاضي: فلما كان يوم الأحد، بعث الملك في طلبي، وقال: من شأن الرسول حضور مائدة الملك. فنحب أن تجيب الى طعامنا ولا تنقض كل رسومنا. فقلت لرسوله: أنا من علماء المسلمين، ولست كالرسل من الجند وغيرهم، الذين لا يعرفون ما يجب عليهم في هذا الموطن. والملك يعلم أن العلماء لا يقدرون أن يدخلوا هذه الأشياء، وهم يعلمون، وأخشى أن يكون على مائدته من لحوم الخنازير، وما حرمه الله تعالى على رسوله، وعلى المسلمين؟ فذهب الترجمان، وعاد إليّ وقال: يقول لك الملك: ليس على مائدتي، ولا في طعامي شيء تكرهه. وقد استحسنت

<<  <  ج: ص:  >  >>