للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو كما قال بلفظ العامي، فانتقم الله منهم على أيدي عامة المسلمين وقتلوهم كل مقتل، فرعب المعز

منهم وأراد كسر شوكتهم فدبر قتل زعيم السنة وشيخ هذه الدعوة. فلما كان يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال من السنة، أتى عامل القيروان ومعه خيل ورجال فتقدم الى مسجد أبي علي بعد صلاة العصر وهو جالس وعنده جماعة، فطلع بعض رجالاته الى المسجد فقتلوا أبا محمد ابن العرب جليسه وهم يظنونه أبا علي إذ احتقرت عيونهم أبا علي لكونه سناطًا فلم يظنوه صاحب المجلس، وخرجوا، فلما عرفوا أنه ليس إياه رجعوا فقتلوا أبا علي وتعاودوه بسكاكينهم وجرحوا جماعة ممن في المسجد فحمل الى داره به حشاشة فتوفي في ليلته، وارتجت المدينة وثارت الصيحة من نواحي القيروان فمال أهل المنصورة من الرجال والعبيد فنهبوا جميع ما في حوانيتها، حتى لم يدعوا حانوتًا، وألقيت النار في كبار الأسواق، ونهبت أموال التجار، وكانوا آمنين وأموالهم بحوانيتهم، فذهل الناس وخرجوا، وشغلوا بأنفسهم عن ذكر أبي علي وخبره، فطاح بهذه السبيل دمه، وأراد عامل البلد استرضاء الناس فجاء برجلين وقال إنهما اللذان قتلاه فقتلهما، ودفن أبو علي بالليل، وفي ذلك يقول الحصري أبو إسحاق الأديب من رثاء فيه:

دفنوا صبحهم بليل وجاءوا … حين لا صبح يطلبون الصباحا

ومن رثاء ابن الوراق فيه:

مضرج بدم الإسلام، مهجته … من بين أحشاء دين الله تنتزع

والمراثي فيه كثيرة منها لابن جرمون قصيدة أولها:

جفوني لا تدري الدموع بأسحم … ونفسي ألا تلتظي فتضرمي

فلا وجد إلا أن تفيضي من الأسى … ولا دمع إلا أن يكون مع الدم

<<  <  ج: ص:  >  >>