للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحهم ضبطًا، وأرفعهم حالًا، وأعدلهم قولًا، أبو محمد الأصيلي. وقال ابن حيان: كان أبو محمد في حفظ الحديث، ومعرفة الرجال، والإتقان للنقل، والبصر بالنقد، والحفظ للأصول، والحذق برأي أهل المدينة، والقيام بمذهب المالكية، والجدل فيه على أصول البغداديين، فردًا لا نظير له في زمانه. بلغني من غير واحد أنه وجد في كتب الدارقطني: حدثني أبو محمد الأصيلي ولم أرَ مثله. قال غيره: كان الأصيلي من حفاظ رأي مالك، والمتكلم على الأصول وترك التقليد، من أعلم الناس في الحديث، وأبصرهم بعلله ورجاله، ويحض أصحابه عليه، ولا يرى أن من خلا من علمه فقيهًا على حال، ولما ورد أبو يحيى ابن الأشج من أهل المشرق وكان قد روى كتاب البخاري سئل إسماعه فقال: لا يراني الله أحدث به والأصيلي حي أبدًا. فلما مات الأصيلي أسعف، قال أبو الوليد: لما دخلت القيروان أتيت أبا محمد ابن أبي زيد فقال لي: ما حاجتك؟ قلت: الأخذ عنك. فقال لي: ألم يقدم عليك الأصيلي؟ قلت: بلى، قال لي: تركت والله العلم وراءك، فكيف حاله مع أهل بلده؟ فأخبرته بظلمهم له، قال: جهلوا ما أتى به. وأتيت القابسي فجرى لي معه مثل ذلك. وقال لي مثل قوله. وأحضره ابن أبي عامر في جملة الفقهاء، فاستشارهم في أرض موقوفة على بعض كنائس أهل الذمة، أراد شراءها، فمنعه جماعة الفقهاء منها، غير الأصيلي وحده فإنه أفتاه بجوازه، واحتج لذلك. فرجع ابن صاعد منهم الى قوله. والأصيلي أيضًا أفتى لابن أبي عامر بجواز الصلاة، في العمارية التي كان يلزم الركوب فيها في أسفاره، وإباحة ذلك في الفريضة، دون النزول بالأرض إذا كانت صلاته إيماء للوجع الذي أصاب قدميه من علة النقرس، وهي إحدى روايتي ابن القاسم عن مالك. ولم

يرَ غيره هذه الفتيا. ورأي رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة، التي هي أم المذهب منع ذلك حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>