رؤيتك فقال: نعم يا أبا عمرو علق ذكرك بقلبي، واشتهيت رؤيتك. فدعوت الله أن يستعملك للقاء. فقد أنعم عليّ بك، فمكّنّي الأنس بك أيامًا. فأقمت عنده. وقرأت عليه القرآن، وتفقهت معه. فنفعني الله تعالى به. فانصرفت وحبلي به موصول أزوره في كل عام، وأتكرر عليه وبلغتني علته التي قبض فيها، فانصرفت إليه فلما دخلت عليه استبشر بي وأنشد ﵀:
أنت الحبيب الذي تأتي على قدر … من الذي يشتهى أو حاجة عرضت
مرحبًا بك قد سألت الله ﷿ أن يرينيك قبل الموت. فقد فعل وأحسب أني مقبوض، فأنشدك الله أن تقيم عليّ تشهدني وتقوم بشأني. فإذا مت فاغسلني ونقني وجهزني وحنطني وطيبني وكفنّي في ثلاثة أثواب غير مخيطة. قد أعددتها ولا تعممني وضعني فوق نعشي، وتقدم بالصلاة عليّ، واجتهد في الدعاء الى الدائم
القائم، الحي الذي لا يموت. واسأله أن يجمعني وإياك في جواره برحمته ورضوانه حيث أنا من الغربة. وتعم في النعمة، ثم اتركني لولدي وأهلي وجيراني يتولون دفني. وانهض أنت الى موضعك مصحوبًا بالخير مشيعًا بالسلامة. واستودعتك الله تعالى خير مستودع. قال فشهدت موته ولقنته الشهادة، وهو غير مؤتل في تكريرها الى أن زهقت نفسه. فقمت بأمره، وكانت سنة ثمان وسبعين وثلاثماية. رحل مع ابنه محمد فحجّ، وسمع من جماعة منهم الميمون بن حمزة وعبد الغني بن سعيد. وقد سمع من عبد الغني سعيد بمصر أيضًا. قال أبو علي الجياني: كان من أهل العلم والفضل، قال الخولاني: كان من أهل العلم مقدمًا في الفهم عارفًا بالحديث ووجوهه، إمامًا مشهورًا بذلك، سيما في العلم. ومات عليه. لم ترَ عيني مثله في المحدثين، وقارًا وسمتًا. استقدم الى قرطبة آخر الدولة العامرية. سمع منه بها. حدث عنه ابنه وأبو عمر ابن عبد البر، وقاسم