الغضب، تبدر منه عند ذلك بوادر، لا يضبط كلامه عند ذلك. وكان ذا منزلة عظيمة في النّسك، والفقه، والتقشف، والمشاورة في الأحكام. ورحل الى المشرق، فحجّ، وجاور واتسع في الرواية. وسكن مدينة النبي ﷺ. وشوّر بها، فكان يفخر بذلك على أصحابه. وكان كثير الانتزاع بكتاب الله تعالى. حاضر الجواب في ذلك. وحكي أنه قال: لما حججت وانصرفنا، وصلت برقة. فرأيت قائلًا يقول لي في النوم: يا محمد ارجع فحجّ، فإنك لم تحجّ. ففكرت في العلة. فوجدت المال الذي أنفقته، فيه شيء، فتفرغت من بقيته، ورجعت أخدم في سقي الماء وغيره، حتى حججت مرة ثانية. فلما بلغت برقة رأيت ذلك القائل بعينه يقول لي: قد قبل حجّك. وله اختصار في كتاب نوادر الشيخ أبي محمد ابن أبي زيد. ورد عليه في بعض مسائله، واختصار المبسوط لاسماعيل القاضي، لا بأس به. وله رد على أبي محمد ابن أبي زيد، في رسالته، ردًا تعسف عليه فيه. في كتاب سماه التبصرة. ورد على أبي عبد الله بن العطار في وثائقه. وكانت له مذاهب، أخذ بها في خصة نفسه، خالف فيها أهل قطره. وكان يصلي الإشفاع خمسًا، ويعجل بصلاة العصر شديدًا ولا يرى غسل الذكر كله من المذي. وكانت له أعمال من البر صالحة. ودعوات مستجابات. وانتفع المسلمون بوعظه، وإرشاده. وفرّ عن قرطبة عند غلبة البرابرة عليها، لهدرهم دمه. إذ كان أحد المشددين في صلحهم، والنهي عنهم. فاضطرب بجهات الغرب والشرق وألقى عصاه ببلنسية. فأقام بها مطاعًا الى أن هلك لعشر خلون من ربيع الأول، سنة تسع عشرة فيما قاله ابن حيان. وثمان عشرة فيما قاله ابن مفرج، وأربعماية. وسنّه نحو الثمانين سنة.
وكان الحفل في جنازته عظيمًا، وعاين الناس فيها آية من طيور سوداء، مثل أمثال الخطاطيف تخللت الجمع دافقة فوق نعشه، مرفرفة