وأسند من بقي من المحدثين، وأوسعهم جمعًا وأعلاهم سندًا، وكان خاتمة قضاة بني أمية في الفتنة، وتولى للسلطان أعمالًا كثيرة من القضاء، بالكور والعمل بخطة الرد والشرطة. وولي الشورى بقرطبة والزهراء والزاهرة، وولي قضاء الجماعة أيام المعتمد، وهو ابن نيف وثمانين، وكان يقال بقرطبة، إن مات يونس ولم يلِ
القضاء الجماعة، مات شهيدًا. وكان يميل مع هذا الى التصرف والعبادة والنسك، مع هذا كله. وكان مقدمًا في علم اللسان والأدب، حسن البلاغة سريع الدمعة، ولم يكن بالبارع في فقهه، وتوالى مرضه فاستخلف على الصلاة والخطبة مكي ابن أبي طالب، ولازم الحكم متحاملًا الى أن مات، وأشهد على عهده بالقضاء لحفيده مغيث بن محمد بن يونس، فلم ينفذ فيه عهده بعد موته. فكانت مدته في قضاء قرطبة تسع سنين، ونصفًا. وذكره الأمير أبو نصر في كتابه فقال: مختلف فيه. قال الباجي: هو مشهور بالعلم. قال ابن الحصار: وكان في سيرة يونس أيام قضائه إباحته المقصورة لجميع الناس، ومنع المارة في صحن الجامع. قال أبو مروان الطبني: شهدت يومًا شيخًا جاء الى القاضي يونس يرغب إليه أن يجيز له ما رواه، ولم يرو بعد هذا، فلم يجبه. فغضب السائل، فنظر الى يونس، فقال: يا هذا نعطيك ما لم نأخذ؟ هذا، محال، محال. فقال يونس: هذا جوابي. وأنشد له ابن حيان:
أدافع أيامي بقصد وبلغة … وألزم نفسي الصبر عند الشدائد
وأعلم أني في مكابدة البلاء … بعين الذي يرجوه كل مكابد