للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويختلف الى أبي الذكر. وتفقه عنده في المسائل. ويجالسه في ذلك كل يوم، من بعد صلاة الصبح الى الزوال، ومن الظهر الى العصر. فبينما هو كذلك إذ جلس إلينا شاب، فكان يجيب في المسائل أحسن جواب. وجعل يختلف الى الحلقة زمانًا. وعلى وجهه أثر صفرة. وكان من أحسن الناس وجهًا، وعليه ديفتان وطيلسان، ونعل شراكه أسود. وكان لا يلبسها بشراك أسود، إلا الشطار. فكنا نعجب من ذلك، فلما دخل الشتاء وغير الناس زيهم، لم يغير الشاب زيه. فقال لنا الشيخ: أظنه مقلًا. ويجب أن يتفقد حاله. فبادر الناس وجمعوا له ماية مثقال. وعقدها الشيخ في خرقة حمراء. وقال لأحد أصحابه: أرصد الشاب. فإذا قام من الحلقة، تدفعها إليه وتقول: جمعها لك الشيخ من وجه طيب. فلما خرج الشاب من الجامع، تبعه رسول الشيخ، حتى أتى القرافة، فدعي للصلاة على جنازة. فقدم عليها. فلما سلّم، أخذ الرسول بطرف ردائه، فأدى إليه رسالة الشيخ وسلامه، ودفع إليه الصرة. فقال: وما هي؟ قال دنانير. قال: وما أصنع بها؟ قال: تصرفها في مصالحك وتجعلها حيث شئت من

أهلك، وأصدقائك. فقال الشاب: ما لي أهل يحتاجون إليها ولا صديق. فألحّ عليه الرسول، وهو يمشي معه. حتى قربا من المقطم، فلما خشي فواته، قبض عليه. فقال الشاب: يا هذا ما علمت أن لله عبادًا، لو سألوه، أن يجعل لهم الحصى دنانير لفعل. وحرّك شفتيه، قال الرسول: فنظرت الى الصحراء، دنانير. فتركت يدي منه، وحثوت بيديّ جميعًا في الأرض حرصًا على الدنانير. فوقع في يدي دينار أطلس بلا كتابة. وتعلق الفتى في الجبل، وفاتني. وانصرفت حيران، فلما أبصرني الشيخ، قال لأصحابه: أرى الصرة سقطت منه. فحكيت له الحكاية. وأريته الدينار، فقلبه ووضعه على عينيه. وفعل الناس كفعله. ثم كان عند الشيخ

<<  <  ج: ص:  >  >>