للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشاميين، قد استحسنوا جوابه. ونهضوا ليفتنوا به الناس، وسرّ به من في قلبه مرض، واحتجّ به. فأطلق الفقهاء الفتيا بما عليه، بمقالته هذه، بالتضليل والتبديع. وقال فيها الشعراء قصائد كثيرة. تضمنت إيذاء أبي إسحاق والتبرؤ منه. وأنشدها الشعراء والطلبة عند الفقهاء غيره، في دورهم وجموعهم. وأطلقوا فيها عليه. وأمر السلطان بسجل أنشئ في القصة من التبرؤ من قوله. وقيل فيه منه ما يعظم الله به أجره، وأمر بقراءته يوم جمعة على المنبر، قبل الصلاة، مستهل صفر عام ثمان وثلاثين. ثم أمر السلطان بإحضاره في ذلك اليوم، إثر الصلاة. وأحضر معه الفقيه أبا القاسم اللبيدي في بقية مشيخة الفقهاء، وكبيرهم، والفقيه أبا الحسن ابن المغربي، والقاضي أبا بكر بن محمد بن أبي زيد، خاصة من بين سائر الفقهاء. وكان هذان الفقيهان من أشد الناس، وحكم في المسألة اللبيدي، فحكم بأن يقر بالتوبة على المنبر، بمشهد جميع الناس، وأن يقول: كنت ضالًا فيما رأيته ونطقت به. ثم رجعت عن ذلك الى

مذهب الجماعة. فكانوا على ذلك، وكأنه استعظم الأمر على المنبر، وقال ها أنا أقول هذا بينكم. فساعدوه وقنعوا منه بقول ذلك بحضرة السلطان، والجماعة. وأن يقوله في مجلسه، ويشيعه عن نفسه. فافترقوا على ذلك. وجعلت على الشيخ من ذلك غضاضة. فخرج في فصبيحة يومه متوجهًا الى منستير، للرباط مستكنًا لقضيته. ومسببًا لها. فتغيب شخصه. قال القاضي عياض: لا امتراءَ عند منصف أن الحق ما قاله أبو إسحاق. ولا امراء أن مخالفته أولًا لرأي أصحابه في حسم الباب، لمصلحة العامة واللجاج خطأ. وأن رأي الجماعة، كان أسدّ للحال. وأولى بعائدة الخير، وفتواه جري على العلم وطريق الحكم. ومع هذا فما نقصه هذا عند أهل التحقيق. ولا غضّ من منصبه عند أهل التوفيق. وقد حكى أبو عبد الله بن سعدون، قال: رأيت أبا القاسم اللبيدي

<<  <  ج: ص:  >  >>