للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر بعد أن أسنّ، وكبر وبعد صيته. فلقي بمكة إذ ذاك إمام الحرمين، أبا المعالي العالم المتكلم. وذلك سنة بضع وخمسين، فباحثه وسأله عن مسائل أجابه عنها أبو المعالي، هي مؤلفة مشهورة في أيدي الناس. وكان عبد الحق يعترف بفضله، ويقول: لولا كبر سني، ما فارقت عتبة منزله. وكان الآخر يجله ويعترف بفضله. سمعت شيخنا أبا القاسم

عبد الرحمن بن محمد يقول: - وكان معهما إذ ذاك بالحجاز - إنهما اجتمعا، وحانت الصلاة، فقدم أبو المعالي شافعي المذهب، وتكرر عبد الحق بعد هذا ببلاد مصر، الى أن توفي بها. وكان فقيهًا فهمًا صالحًا ديّنًا مقدمًا. بعيد الصيت، شهير الخير، مليح التأليف. وألف كتاب النكت والفروق لمسائل المدونة، وهو أول من ألف، وهو مفضل عند الناشئين من حذاق الطلبة. ويقال إنه قدم بعد ذلك على تأليفه، ورجع عن كثير من اختياراته وتعليلاته فيه، واستدرك كثيرًا من كلامه فيه. وقال: لو قدرت على جمعه وإخفائه لفعلت، أو نحو هذا. وألف أيضًا كتابه الكبير في شرح المدونة، المسمى بتهذيب الطالب، ونبه فيه على ما استدركه، على كتاب النكت. وله استدراك على مختصر البرادعي. وكان له حظ من الأصول والفروع، وله عقيدة رويت عنه. وله جزء في ضبط ألفاظ المدونة. وذكره ابن عمار المتكلم، فقال: إمام مشهور بكل علم متقدم، مدرس للأصول والفروع. وذكره ابن سعدون فقال: كان من الصالحين المتقين فيه قدر أهل العلم، وسكينتهم، وإذعانهم للحق. كثير الإنصاف. وأنشد له ابن القطان من شعره:

أرى فتن الدنيا تزيد وأهلها … يخوضون بالأهواء في غمرة الجهل

فما أن ترى من مخلص ذي عقيدة … وما أن ترى من صادق القول والفعل

فيا سوء حالي حين أصبح فازعًا … ولم أدخر زادًا وما زلت في شغل

<<  <  ج: ص:  >  >>