لدولتهم، أول خروجهم. كان أولًا من طلبة أوكاد بن زلوه اللمطي، في داره، التي بناها بالسوس للعلم والخير، وسماها دار المرابطين. الى أن مرّ به رجل من جزلوة يعرف بالجوهر بن سكن، ممن كان يحب الخير، منصرفًا من الحج، فرغب الى أوكاد، أن يوجه معه رجلًا من طلبته، ليعلم قومه العلم، إذ كان الدين عندهم قليلًا،
وأكثرهم جاهلية، ليس عند أكثرهم غير الشهادتين، ولا يعرف من وظائف الإسلام سواهما. فوجه معه عبد الله بن ياسين، وكان موصوفًا بعلم وخير، فسار معه، وفهم له سيره، ولقومه. وأخذ من الشدة في ذات الله تعالى، وتغيير المناكير وانعزام صاحبه، من لم يقبل الهدى، ولم يزل يستقر تلك القبائل حتى علا عليهم، وأظهروا الإيمان هنالك. ثم جرت له قصص، مع هذا الحاج، الجالب له ولغيره من الشدة، في إقامة الحدود، خاف منها آخرًا على نفسه. قيل إنه أفتى بقتل الحاج المذكور، لأمر أوجبه عنده. وخرج عن جزولة الى ملتونة. فقام بأمرهم، قبل أيام تاشفين بن عمر، وقبل أيام يحيى بن عمر، وهو الذي سماه بأمير المسلمين، وأول من تسمى منهم بذلك. فقام بأمره، وجاهد معهم وقلدوه أمرهم. وأنفذ حدوده في أميرهم، فمن دونه. ثم توفي يحيى، فسلك تلك السبيل مع أخيه أبي بكر بن عمر. ولقد ذكر أنه ضرب بالسوط أبا بكر بن عمر وهو إذ ذاك أمير المسلمين، لحق تعين عليه عنده. والكل له مطيع، وسيرته في أموره هناك وتقريراته معروفة، محفوظة. يتأثر عليها مشيخة المرابطين. ويحفظون من فتاويه وأجوبته، ما لا يعدلون عنه. وكان أخذ جميعهم بصلاة الجماعة. وعاقب من تخلف عنها عشرة أسواط، لكل ركعة، تفوته. إذ كانوا عنده ممن لا تصح له صلاة إلا مأمومًا، لجهلهم بالقراءة والصلاة. واستقامت للمرابطين بلاد الصحراء بجملتها وما وراءها من بلاد المصامدة، والقبلة، والسوس، بعد حروب كثيرة.