للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤنتها وحملها قال له: لا أفعل، الذي يأكلها يحملها. وهو مع ذلك في عيون الناس وقلوبهم النجم رفعة وجلالة، حتى رئيس البلد ابن جهور ينزل الى مسجده في الأحيان، لمهم الأمور، ويأخذ فيها رأيه هناك، وربما جمع له بقية فقهاء الشورى، فيقضي قضاءه، وينفذ أحكامه هناك. سمعت شيخنا أبا محمد عبد الرحمن ابن أبي عبد الله بن عتاب يقول: كان أبي يقول لا غنى للطالب عن الإجازة، وإن سمع الديوان أو الحديث قراءة على المحدث أو منه لجواز السهو والغفلة والسنة على أحدهما، قال: وعلى هذا اعتمدت في روايتي. وروى لنا عنه أنه كان لا يزيد في الرد إذا شمت عند العطاس يرحمك الله على قوله: وإياكم. وأريد أبو عبد الله بن عتاب على القضاء غير مرة، فامتنع ولم يقدر عليه بشيء. طلبه أهل طليطلة، وأهل المرية لقضاء بلدهم على عادتهم معًا في كون القضاء عندهم في غير بلدهم للتنافس الذي كان بين أهل هذين البلدين في القضاء، فكانوا يطلبونه من غيرهم، فطلب أهل

هذين البلدين ابن عتاب لذلك، وبذلوا له ليقبل ذلك الرزق الواسع فامتنع، ولما مات القاضي بقرطبة سراج بن عبد الله، رغبه ابن جهور بنفسه ولاطفه جهده، فلم يقدر عليه، وحلف بحضرته ألا يلي وقال: ما إبايتي إلا إباية ضعف وقوة، لا من وهن وطاعة. وحكى أنه كان خلّف صندوقًا مقفلًا قد أوصى ألا يفتح إلا بعد موته، فلما مات، فتح فإذا فيه أربعة كتب من أربعة رؤساء: ابن عباد وابن الأفطس وبن صمادح وابن هود، كل منهم يدعوه الى نفسه وتقلّد القضاء ببلده، وقد كتب على كل كتاب منها: تركت هذا لله. وسأله رجل عن مسائل انتخبها وأعدها فأجابه أحسن جواب. فأثنى عليه الرجل فقال له: يا ابن أخي لا تتخذ هذا عادة، فلولا أني طالعتها البارحة ما أجبتك بمثل هذا أو كما قال. توفي ليلة الثلاثاء لعشر بقين من صفر سنة اثنتين وستين وأربعماية. وقد نيف على الثمانين سنة. ولد لسبع

<<  <  ج: ص:  >  >>